تفسير واحد من السلف في خبر من الأخبار أجزم بأنه لا يريد النسخ الاصطلاحي، بل يريد التنبيه على وقوع رفعٍ لجزء من معنى الآية؛ كأن يكون بيان مجمل، أو تخصيص عموم، أو تقييد مطلق، أو بيان وقوع استثناءٍ.. الخ.
ومن الأمثلة الواردة في إطلاق السلف لفظ النسخ على الخبر، ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما (ت٦٨هـ) في قوله تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ [الشعراء: ٢٢٤]، قال أبو جعفر النحاس (ت٣٣٨هـ) «قد أدخل هذه الآيات بعض الناس في الناسخ والمنسوخ، حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد، قال: حدثنا محمد بن هشام، قال: حدثنا عاصم بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ قال: «نسختها الآية التي بعدها»؛ يعني: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [الشعراء: ٢٢٧]» (١).
فقوله تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ [الشعراء: ٢٢٤] خبرٌ، والخبرُ لا يُنسخ، بمعنى رفعه بالكلية، وليس هذا مراد ابن عباس رضي الله عنهما (ت٦٨هـ) بالنسخ هنا النسخ الكلي، وإنما مراده النسخ الجزئي، وهو تخصيص العموم الذي في قوله تعالى: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ [الشعراء: ٢٢٤] بالاستثناء الوارد بعده في قوله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [الشعراء: ٢٢٧]، والله أعلم.
وفي الختام، فإنَّ علم أصول التفسير جزء من علوم التفسير، وعلوم التفسير جزء من علوم القرآن، والله أعلم.
_________
(١) الناسخ والمنسوخ للنحاس، تحقيق الدكتور سليمان اللاحم (٢: ٥٧٢).


الصفحة التالية
Icon