فينْزل القرآن عليه ليهبه ذلك التَّنَزل طمأنينةً وثباتاً، كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾ [الفرقان: ٣٢]. وهذه الآية صريحة بفائدة تنجيمه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (١).
ولقد كان تأخر الوحي عن رسول الله (ص) يقلقه كثيراً، حتى كاد يخاف انقطاعه كما حصل فيما ذُكِر من سبب نزول سورة الضحى، التي ورد فيها الطمأنة له برضى ربه عنه، فقال: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ [الضحى: ٣].
٢ - مواكبة الحوادث والمسائل التي تقع في عصر النبوة، إذ كان الوحي ينْزل بشأنها؛ إمَّا قرآنٌ، وإما غير ذلك، تلك الحوادث والمسائل هي أسباب النُّزول التي صارت علماً مهمّاً لمن أراد أن يفسر القرآن.
٣ - التدرج في التشريع وبيان الأحكام والحدود، فالشريعة لم تنْزل جملة واحدة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بل كان ينْزل منها الشيء بعد الشيء من تفاصيل الأحكام والحدود حتى اكتملت الشريعة وتمَّ الدين.
وإذا تأمَّلت هذه الفوائد وجدتَ ما نصَّ عليه القرآن من أن المراد تثبيت الرسول صلّى الله عليه وسلّم هي الفائدة العظمى في التنجيم؛ لأنه لا مانع عقلاً ولا واقعاً من بيان هذه الأحكام والحوادث بوحي غير القرآن الكريم، لكن هذه الفوائد ترتَّبت على تنجيم النُّزول فحسب، والله أعلم.
_________
(١) إن قال قائل: ألم يلاق الأنبياء العنت من أقوامهم، فكيف وقع اختصاص التنجيم بالقرآن؟
والجواب: إن الدلائل التي سبقت الإشارة إليها في نزول كتب الله السابقة جملة والآيات التي ذكرت تنجيم القرآن على نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم تشير إلى هذا المعنى.
ولا يخفى على القارئ أن الوحي قد ينْزل بغير الكتب، وهذا الطريق كثير في سِير الأنبياء، فتقع معالجة بعض الأمور به، وقد حصل ذلك لجميع الأنبياء بلا استثناء، والتدليل عليه أوضح من أن يُذكر، ويمكن النظر في سبب قصة موسى مع الخضر، وغيرها كثير.
والمقصود أن نزول الوحي ـ عموماً ـ تثبيت للأنبياء، وكان في تنجيم القرآن مزيد اختصاص في تثبيت نبينا صلّى الله عليه وسلّم، والله أعلم.