زمِّلوني، فدثروني، فأنزل الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *قُمْ فَأَنْذِرْ *وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ *وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ *وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثر: ١ - ٥]» (١).
وفي رواية أخرى عن يحيى بن أبي كثير قال: «سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾. قلت: يقولون: ﴿اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾! (٢).
فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن ذلك، وقلت له مثل الذي قلت، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت، فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً، ونظرت أمامي فلم أر شيئاً، ونظرت خلفي فلم أر شيئاً، فرفعت رأسي فرأيت شيئاً، فأتيت خديجة، فقلت: دثروني وصبوا علي ماءً بارداً، قال: فدثروني وصبوا علي ماءً بارداً، قال: فنَزلت: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *قُمْ فَأَنْذِرْ *وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾».
وقد أشكل جواب جابرٍ رضي الله عنه هذا على حديث عائشة رضي الله عنها أن أول ما نزل من القرآن الآيات الخمس الأولى من سورة العلق، وقد خرَّجه العلماء بعدد من التخريجات، لكن بعضها فيه نظر، ومن أحسن ما يمكن أن يُجاب عنه في هذا المقام ما يأتي:
أن جابراً لم يكن على علم بما نزل في غار حراء، وإن كان في حديثه إشارة إلى نزول جبريل عليه السلام على محمد صلّى الله عليه وسلّم في الغار، وإنما سمع حديثه عن نزول الملك بآيات سورة المدثر، ولم يكن قد ذُكر له نزول آيات قبل سورة المدثر، فحكم بأنها أول ما نزل.
ومن التخريجات التي خُرِّج بها حديث جابر ـ وفيها نظر ـ ما يأتي:
١ - أن يكون السؤال وقع عن أول سورة كاملة، فأجاب جابرٌ رضي الله عنه بأنها سورة المدثر.
_________
(١) أخرجه البخاري برقم (٤٩٢٥)؛ ومسلم برقم (١٦١).
(٢) أخرجه البخاري برقم (٤٩٢٢).