وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف: ١٠] قال: فالتوراة مثل القرآن، وموسى مثل محمد صلّى الله عليه وسلّم فآمنوا بالتوراة وبرسولهم، وكفرتم به. وقال سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن سلام وابن عباس: الشاهد عبد الله بن سلام، وبه قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، والحسن، وابن زيد.
قال الطبري:
«والصواب من القول في ذلك عندنا أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنزيل؛ لأن قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾ في سياق توبيخ الله ـ تعالى ذكره ـ مشركي قريش احتجاجاً عليهم لنبيه صلّى الله عليه وسلّم، وهذه الآية نظيرة سائر الآيات قبلها، ولم يجر لأهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذكر، فتوجه هذه الآية إلى أنها فيهم نزلت، ولا دلّ على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدم الخبر عنهم معنى، غير أن الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن ذلك عني به عبد الله بن سلام وعليه أكثر أهل التأويل، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن، والسبب التي نزل فيه، وما أريد به، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك، وشهد عبد الله بن سلام وهو الشاهد من بني إسرائيل على مثله، يعني على مثل القرآن، وهو التوراة، وذلك شهادته أن محمداً مكتوب في التوراة أنه نبيّ تجده اليهود مكتوباً عندهم في التوراة، كما هو مكتوب في القرآن أنه نبي» (١). [٨٨]
٦ - إعراب القرآن ينبغي أن يكون على أفصح الوجوه، ولا يفسر بمجرد الاحتمال النحوي الإعرابي الذي يحتمله تركيب الكلام، ويكون الكلام به له معنى ما.
مثال: في قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: ٥٦]، ذكر ابن القيم قول من قال: إنه من باب حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه؛ كأنه قال: إن رحمة الله شيء قريب من المحسنين، ثم رد على هذا القول من وجوه وذكر أحدها، وهو:
«أن الشيء أعم من المعلومات، فإنه يشمل الواجب والممكن، فليس في تقديره ولا في اللفظ به زيادة فائدة يكون الكلام بها فصيحاً بليغاً، فضلاً عن أن يكون بها في أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة، فأي فصاحة وبلاغة في قول القائل في حائض وطامث وطالق: شيء حائض، وشيء طامث، وشيء طالق؟ وهو لو صرح بهذا لاستهجنه السامع. فكيف يقدر في الكلام مع أنه لا يتضمن فائدة أصلاً؟
_________
(١) «تفسير الطبري» (٢٦/ ٩).