الثالث: اختلاف اللفظ والمعنى، مع امتناع اجتماعهما في شيء واحد، بل يتفقان من وجه آخر لا يقتضي التضاد. مثل قوله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ *وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ [الفجر: ٢٥، ٢٦] فقرئ: «يعذِّب» و «يعذَّب» و «يوثِق» و «يوثَق»، ولكل قراءة توجيه يختلف عن الآخر.
ومثله ما يقرأ في لفظة: «يرجعون» و «ترجعون»، بالياء أو التاء، فالمعنى فيها يختلف (١). وهذا النوع يكون بمثابة التفسيرين ـ كما سيأتي ـ.
قواعد في القراءات:
١ - القراءتان في الآية ـ إذا ظهر تعارضهما ـ لهما حكم الآيتين، وصارت بمثابة اختلاف التنوع (٢).
ومثال هذا قوله تعالى: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [البروج: ١٥] برفع المجيد وجرِّه. فبالرفع يكون: «المجيدُ» صفة لذو. وبالجرّ يكون: «المجيدِ» صفة للعرش، وعلى هذا، فهاتان القراءتان لهما حكم الآيتين.
وهذه القاعدة تأتي في النوع الثالث الذي سبق ذكره. [١٢٨]
٢ - القراءات إذا لم يظهر تعارضها وعادت إلى ذات واحدة فهي زيادة في الحكم لهذه الذات بمعنى هذه القراءات.
ومثال هذه: قوله تعالى: ﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦]. قرئت: ﴿حَمِئَةٍ﴾ و «حامية»، فمن قرأ: «حامية» فهي بمعنى: حارة، ومن قرأ: ﴿حَمِئَةٍ﴾ فهي من الحمأة: الطين المنتن المتغير اللون، قال ابن زنجلة: وهذا القول؛ أي: اختيار ﴿حَمِئَةٍ﴾ لا ينفي قول من قرأها: «حامية» إذ كان جائزاً أن تكون العين التي تغرب الشمس فيها حارة، وقد تكون حارة وذات حمأة وطينة سوداء، فتكون موصوفة بالحرارة وهي ذات حمأة (٣). وهذه القاعدة تأتي في النوع الثاني الذي سبق ذكره.
_________
(١) راجع: «النشر في القراءات العشر» (١/ ٤٩ - ٥١)؛ و «دقائق التفسير» (١/ ٦٩).
(٢) نص عليها الشنقيطي في «أضواء البيان» (٢/ ٨)، وانظر: «دقائق التفسير» (١/ ٦٩).
(٣) «حجة القراءات» (ص٤٢٩ - ٤٧٠)، وانظر: «تفسير الطبري» (١٦/ ١٢).