قال الزركشي: «ومن أحسنها كتاب «المفردات» للراغب، وهو يتصيَّد المعاني من السياق؛ لأن مدلولات الألفاظ خاصة» (١).
وقال في موضع آخر: «وهذا يُعنَى به الراغب كثيراً في كتابه المفردات؛ فيذكر قيداً زائداً على أهل اللغة في تفسير مدلول اللفظ؛ لأنه اقتنصه من السياق» (٢).
وكلامه يدل على أنه فضلاً عن ورود الكلمة في العربية إلا أنها لها معنى خاصّاً يتحدد من السياق يجب أن يراعى.
٤ - أن يعرف ملابسات النزول إذا احتاجها عند تفسير لفظة ما؛ لكي يعرف المراد بها في الآية، كمن يريد تفسير النسيء في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾ [٤٣] [التوبة: ٣٧]، فالنسيء التأخير، ولكن تحديد هذا التأخير يحتاج إلى معرفة قصة الآية، وبها يُعرف تفسيرها، والمراد به هنا تأخير الأشهر الحرم واستحلالها (٣).
٥ - أن يقدم المعنى الشرعي على المعنى اللغوي إذا تنازعهما اللفظ، إلا إذا دل الدليل على إرادة المعنى اللغوي؛ لأن القرآن نزل لبيان الشرع لا لبيان اللغة.
فالصلاة في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾ [التوبة: ٨٤] تحتمل الدعاء، وتحتمل صلاة الجنازة، وهذا هو المقدم؛ لأنه المعنى الشرعي.
وفي قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [التوبة: ١٠٣]، فالصلاة هنا هي الدعاء، وهو المعنى اللغوي، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم صلّ على آل أبي أوفى» (٤).
_________
(١) «البرهان في علوم القرآن» (١/ ٢٩١).
(٢) «البرهان في علوم القرآن» (٢/ ١٧٢).
(٣) في هذا المثال ونحوه؛ يلاحظ أن معرفة المعنى اللغوي لا تكفي في تحديد المراد، بل الأمر محتاج إلى النقل، وههنا نحن بحاجة إلى ما يمكن أن نسميه بـ (أحوال النزول)، ومنها قصة الآية كما في هذا المثال.
(٤) انظر: «البرهان» للزركشي (٢/ ١٦٧)؛ و «أصول التفسير» لابن عثيمين (ص٢٩، ٣٠).