أما كون بعض الآيات تنْزل في مكة لحدثٍ يقع في المدينة، فقد ورد ذلك، ومن أمثلته:
في قوله تعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: ٤٥]، ورد عن عمر ما يدل على أنها آية مكية، وهي في سورة مكية.
قال الطبري: «حدثنا ابن عبد الأعلى قال: ثنا ابن ثور عن معمر عن أيوب قال: لا أعلمه إلا عن عكرمة أن عمر قال لما نزلت: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ﴾ [القمر: ٤٥] جعلت أقول: أي جمع يهزم؟
فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يثب في الدرع ويقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر» (١).
ثم أورد رواية عن ابن عباس تفيد أنها نزلت بعد بدر، قال: «حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا داود، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: ٤٥]، قال: كان ذلك يوم بدر، قال: قالوا: نحن جميع منتصر.
قال: فنَزلت هذه الآية» (٢).
وظاهرٌ هنا أن رواية عمر هي المقدَّمة، والرواية الثانية إن صحَّت عن ابن عباس، فلعله توهَّم أنها سبب النُّزول لِمَا سَمِعَ من أنَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ هذه الآيات.
ولا يقال: إن الصحابة كانوا يعلمون القرآن ونزوله، فإن علمهم بجميعه من حيث جملتهم كائنٌ، لكن ليس كلهم يعلم عن نزوله وأحواله،
_________
(١) تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٧: ١٠٨).
(٢) تفسير الطبري، ط: هجر (٢٢: ١٥٨)، وفيه سقط في المطبوعات من تفسير الطبري، كما نبَّه عليه المحققون في طبعة هجر، وهذا السند غريب؛ لأنه من رواية علي بن أبي طلحة من غير سنده المشهور.