سبق ذكرها تدلُّ على أن المرادَ أحد هذه الأقوال المذكورة، كالاختلاف الوارد في الذي دنا في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾ [النجم: ٨].
ثمَّ قال: «فهذا النوع إذا صح فيه القولان كان من الصنف الثاني».
أقول: وفي عود هذه العبارة احتمالان:
الأول: تحتمل أن تعود إلى المشترك والمتواطئ الذي ساق الحديث عنه من أول قوله: «ومن التنازع الموجود عنهم ما يكون اللفظ فيه محتملاً لأمرين...»، ولا يكون ذلك إلاَّ بالنظر إلى تعميم الوصف في المشترك والمتواطئ، دون النظر إلى ما يترجح منها.
ومثال المشترك اللغوي، ما وقع من الخلاف في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦]. فقد قيل فيه أقوالٌ:
الأول: المسجور، الموقد المحميُّ، وهو قول عليٍّ (ت: ٤٠) وشِمْرُ بن عطية، ومجاهد (ت: ١٠٤)، وابن زيد (ت: ١٨٢).
الثاني: المسجور: المملوء، وهو قول قتادة (ت: ١١٧).
الثالث: المسجور: الذي ذهب ماؤه، حكاه الطبري (ت: ٣١٠) عن ابن عباس (ت: ٦٨) من طريق عطية العوفي (ت: ١١١).
الرابع: المسجور: المحبوس، وهو قول ابن عباس (ت: ٦٨) من طريق علي بن أبي طلحة (ت: ١٤٣) (١).
فإذا نظرت إلى صحة إطلاق هذا اللفظ (السَّجر) على هذه المعاني (المختلفة) جعلته من هذا الباب شبيهًا بالعام الذي له أفراد، فهذا لفظٌ مشتركٌ له أكثر من معنى، وذاك لفظٌ عامٌ له أكثر من فردٍ.
الثاني: تحتمل أن تعود إلى المتواطئ دون المشترك؛ لأنه قال: «وإما
_________
(١) ينظر في أقوالهم: تفسير الطبري، ط: هجر (٢١: ٥٦٧ ـ ٥٦٩).


الصفحة التالية
Icon