متى كتب شيخ الإسلام المقدمة؟
لا يظهر من هذه الرسالة متى كتبها شيخ الإسلام؟
وقد ذكر ابن القيم (ت: ٧٥١) في مدارج السالكين ما يمكن أن يفيد عن وقتها، قال: «وبعثَ إليَّ في آخر عمره قاعدةً في التفسير بخطِّه...» (١). وقد تكون هذه القاعدة التي أرسلها لتلميذه هي هذه الرسالة.
وواضحٌ فيها أنه كتبها بعد قراءة واسعة في كتب التفسير، وهذا ظاهر من عدد التفاسير التي ذكرها، ومن طريقته في معالجة الموضوعات التي طرحها.
وشيخ الإسلام من المفسرين المحررين، وقد كان واسع الاطلاع على تفاسير السلف والخلف، وكان ذا حافظةٍ فذَّة، ونفسٍ ناقدةٍ لما تقرأ، وقد مكَّنه ذلك من القدرة على تحرير التفسير، فلم يكن ناقلاً، بل كان ناقدًا مرجِّحًا.
قال تلميذه ابن عبد الهادي: «قال الشيخ أبو عبد الله بن رشيق ـ وكان من أخص أصحاب شيخنا، وأكثرهم كتابة لكلامه، وحرصًا على جمعه ـ: كتب الشيخ رحمه الله نقول السلف مجردةً عن الاستدلال على جميع القرآن (٢)، وكتب في أوله قطعة كبيرة بالاستدلال، ورأيت له سورًا وآيات يفسرها، ويقول في بعضها: كَتَبْتُهُ للتَّذَكُّرِ، ونحو ذلك.
ثم لما حُبِسَ في آخر عمره كَتَبْتُ له أن يكتبَ على جميع القرآن تفسيرًا مرتَّبًا على السُّور، فكتب يقول: إن القرآن فيه ما هو بَيِّنٌ بنفسه (٣)،
_________
(١) مدارج السالكين (١: ٥٢٠).
(٢) هذه الطريقة شبيهة بما فعل السيوطي في الدر المنثور.
(٣) هذا النقل يفيد في تحرير مراد شيخ الإسلام في كون الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد بيَّن للصحابة معاني القرآن كما بيَّن لهم ألفاظه، حيث جعل قدرًا منه بيِّنًا بنفسه، فإذا كان يبين للمتأخرين فمن باب أولى أن يكون بيِّنًا لمن نزل عليهم بلغتهم، وهم يعرفون أحواله.