(٧٢) والمقصود أن الحديث الطويل إذا رُوِيَ ـ مثلاً من وجهين مختلفين، من غير مواطأة ـ امتنع عليه أن يكون غلطًا، كما امتنع أن يكون كذبًا، فإن الغلط لا يكون في قصة طويلة متنوعة، وإنما يكون في بعضها، فإذا رَوَى هذا قصةً طويلةً متنوعةً، ورواها الآخرُ مثلما رواها الأولُ من غير مواطأة = امتنع الغلطُ في جميعها، كما امتنع الكذب في جميعها من غير مواطأة.
(٧٣) ولهذا؛ إنما يقع ـ في مثل ذلك ـ غلطٌ في بعض ما جرى في القصة، مثل حديث اشتراء النبي صلّى الله عليه وسلّم البعير من جابر، فإن من تأمَّل طرقه عَلِمَ قطعًا أن الحديث صحيح، وإن كانوا قد اختلفوا في مقدار الثمن. وقد بَيَّن ذلك البخاري في صحيحه، فإن جمهور ما في البخاري ومسلم مما يقطع بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قاله؛ لأن غالبه من هذا النحو؛ ولأنه قد تلقاه أهل العلم بالقبول والتصديق، والأمة لا تجتمع على خطأ؛ فلو كان الحديث كذبًا في نفس الأمر، والأمة مصدقة له قابلة له لكانوا قد أجمعوا على تصديق ما هو في نفس الأمر كذب، وهذا إجماع على الخطأ وذلك ممتنع، وإن كنا نحن بدون الإجماع نُجَوِّزُ الخطأ أو الكذب على الخبر، فهو كتجويزنا قبل أن نعلم الإجماع على العلم الذي ثبت بظاهر أو قياس ظني أن يكون الحق في الباطن بخلاف ما اعتقدناه، فإذا أجمعوا على الحكم جزمنا بأن الحكم ثابت باطنًا وظاهرًا.
(٧٤) ولهذا كان جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقًا له أو عملاً به أنه يوجب العلم، وهذا هو الذي ذكره المصنِّفون في أصول الفقه، من أصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، إلا فرقة قليلة من المتأخرين