بيد أن ابن كثير (ت: ٧٧٤) توقَّف في بعض الآثار (١)، وحملها على الزاملتين، وأنا أسوقها ليتبَّين أثر خبرهما على عَلَمٍ من أعلامِ نُقَّادِ الأحاديث والآثار:
١ - قال ابن كثير (ت: ٧٧٤) في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٦]: «... فأما الحديث الذي رواه البيهقي في بناء الكعبة في كتابه دلائل النبوة من طريق ابن لهيعة عن يزيد أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا: «بعث الله جبريل إلى آدم وحواء فأمرهما ببناء الكعبة، فبناه آدم، ثم أمر بالطواف به، وقيل له: أنت أول الناس، وهذا أول بيت وضع للناس» = فإنه كما ترى من مفردات ابن لهيعة، وهو ضعيف، والأشبه ـ والله أعلم ـ أن يكون هذا موقوفًا على عبد الله بن عمرو، ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك من كلام أهل الكتاب».
وعندي في نسب هذا الخبر إلى مرويات بني إسرائيل نظر، فإن من خَبَرَ كتبهم لا يجد فيها ذكرًا للكعبة، وهو مما حرفوه، وحذفوه من كتبهم، كما حذفوا كل فضيلة لإسماعيل، وللعرب من أهل الجزيرة العربية.
والحقُّ أن أمر الزاملتين يلفُّه غموضٌ لا يكفي فيه أنَّ من شكَّ في مروية جاءت عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن ينسبها لهاتين الزاملتين.
٢ - وقال في تفسير قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَاتِيَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ أَوْ يَاتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَاتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَاتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ [الأنعام:
_________
(١) لم أجد من نقد آثارًا عن عبد الله بن عمرو، ونسبها إلى الزاملتين سوى ابن كثير، في تفسيره وتاريخه (١: ١٩)، (٢: ١٠٧، ٢٩٩، ٣٢٦)، (٦: ٦١)، (٨: ٣٤٠)، وهذا غريب يحتاج إلى بحث واستقصاء لتتبُّع ما قاله النقاد في مرويات عبد الله بن عمرو بن العاص.


الصفحة التالية
Icon