(٤) وحاجة الأمة ماسَّة إلى فهم القرآن الذي هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يَخْلَقُ عن كثرة الترديد، ولا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه العلماء، من قال به صدق، ومن عمل به أُجِرَ، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، ومن تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله (١).
قال تعالى: ﴿يَاتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى﴾ ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى *قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا *قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: ١٢٣ ـ ١٢٦].
_________
وقد أشار إلى عصمة الإجماع في هذه الرسالة عند حديثه عن حديث جابر في بيع جمله، قال: «... فإن جمهور ما في البخاري ومسلم مما يقطع بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قاله؛ لأن غالبه من هذا النحو؛ ولأنه قد تلقاه أهل العلم بالقبول والتصديق، والأمة لا تجتمع على خطأ؛ فلو كان الحديث كذبًا في نفس الأمر، والأمة مصدقة له قابلة له لكانوا قد أجمعوا على تصديق ما هو في نفس الأمر كذب، وهذا إجماع على الخطأ وذلك ممتنع، وإن كنا نحن بدون الإجماع نُجَوِّزُ الخطأ أو الكذب على الخبر، فهو كتجويزنا قبل أن نعلم الإجماع على العلم الذي ثبت بظاهر أو قياس ظني أن يكون الحق في الباطن بخلاف ما اعتقدناه، فإذا أجمعوا على الحكم جزمنا بأن الحكم ثابت باطنًا وظاهرًا».
وإما أن يكون قولاً عليه دليل معلوم، وذلك مثل الاستدلال على أن المراد بالقرء الطهر، أو أن المراد به الحيض في قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨].
وما سوى ذلك من العلم: فإما باطل غير مقبول، وإما متوقف فيه، وذلك مثل بعض الأخبار المروية عن بني إسرائيل وغيرهم التي لم يرد في شرعنا ما يخالفها، فلا تستطيع أن تكذبها، ولا أن تصدقها؛ لأنها تحتمل الصدق وتحتمل الكذب، فتتوقف فيها، ولا تجزم فيها بصدق، ولا كذب.
(١) هذه الصفات للقرآن الكريم اقتبسها الشيخ رحمه الله من الأثر المروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.