ترد في بعض تفسيراتهم بعض الغرائب المتعلقة بأخبار بني إسرائيل لأجل هذا السبب، وهو أنهم ينقلون ما وردهم، ولا يجتهدون اجتهادًا خاصًّا.
والتوقف في الاجتهاد في بعض الآيات ورد عن القليل من الصحابة ممن تعرضوا للتفسير؛ كما هو الوارد عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في التوقف في تفسير الأبِّ من قوله تعالى: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ [عبس: ٣١].
وقد ظهر التحرُّجُ بنوعيه في طبقة التابعين:
الأولى: بعض علماء أهل المدينة، قال عبيد الله بن عمر: «لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليغلظون القول في التفسير؛ منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع» (١).
الثانية: بعض علماء أهل الكوفة، قال عنهم إبراهيم النخعي: «كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه» (٢)، ويقصد بأصحابه: علماء الكوفة من التابعين.
وهذا هو ظاهر الآثار ـ التي نقلها شيخ الإسلام وغيره ـ عن المتحرِّجين من التفسير، أما علماء التفسير من أهل مكة وأهل البصرة وبعض أهل المدينة، فكان لهم قدم السبق في الاجتهاد في التفسير.
وهذا التحرُّجُ لا يعني أنهم لا يفهمون معاني القرآن، وإنما هو مذهب خاصٌّ بمن توقَّف عن التفسير، ولم يرَ أن يكون من المفسِّرين تورُّعًا منه، مع قيام غيره به، فكأنَّه قد كُفيَ ذلك الأمر.
مسألة في تَحرُّج أبي بكر من القول بالرأي في الأبِّ، وقوله به في الكلالة:
قد يقول قائل: لم توقَّف الصِّديق في تفسير لفظ الأبِّ من قوله تعالى:
_________
(١) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١: ٨٥).
(٢) فضائل القرآن، لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: وهبي سليمان غاوجي (ص: ٢٢٩).