أو الفقه أو غير ذلك؛ فإنه لا بد أن يكون راغبًا في فهمه وتصور معانيه، فكيف بمن قرؤوا كتاب الله تعالى المنزل إليهم، الذي به هداهم الله، وبه عرفهم الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والرشاد والغي، فمن المعلوم أن رغبتهم في فهمه وتصور معانيه أعظم الرغبات، بل إذا سمع المتعلم من العالم حديثًا فإنه يرغب في فهمه، فكيف بمن يسمعون كلام الله من المبلغ عنه؟! بل ومن المعلوم أن رغبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم في تعريفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعريفهم حروفه، فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تحصل المقصود إذ (١) اللفظ إنما يراد للمعنى» (٢).
والملاحظ هنا أنَّ شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يناقش أقوال أقوامٍ لا يرون تفسير الصحابة والتابعين، ويذهبون إلى تفسيرات شيوخهم من أهل البدع، فقد ذكر هذه الأفكار في كتبٍ يناقش فيها هؤلاء، ككتاب (بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة، والقرامطة والباطنية وأهل الإلحاد القائلين بالحلول والاتحاد)، وفي كلامه على المحكم والمتشابه.
كما طرح تلميذه ابن القيم (ت: ٧٥١) هذه الأفكار حينما كان يناقش من لا يرى الاحتجاج بالأحاديث النبوية على شيء من صفات الله العلية، ومما قاله في هذا المجال: «... فهذه الأحاديث تقرر نصوص القرآن، وتكشف معانيها كشفًا مفصلاً، وتقرب المراد، وتدفع عنه الاحتمالات، وتفسر المجمل منه، وتبينه وتوضحه لتقوم حجة الله به، ويعلم أن الرسول بيَّن ما أنزل إليه من ربه، وأنه بلغ ألفاظه ومعانيه بلاغًا مبينًا حصل به العلم اليقيني، بلاغًا أقام الحجة، وقطع المعذرة، وأوجب العلم، وبيَّنه أحسن البيان وأوضحه.
_________
(١) في مطبوعة «الفتاوى»
: (إذا)، والمثبت من الطبعة المفردة لـ «المراكشية» (ص: ٣٤).
(٢) الفتاوى (٥: ١٥٧).


الصفحة التالية
Icon