الصَّحابةِ رضي الله عنهم منْ خِلافٍ مُحَقَّقٍ في تفسير بعضِ الألفاظِ القرآنيَّة التي لها أكثرُ من دَلاَلَةٍ لغويَّةٍ، فحملَها بعضُهُم على معنى، وحمَلَهَا الآخرُون على معنًى آخرَ.
وهذا يَدُلُّ على أنَّهم لم يتلقوا من النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم بيانًا نبويًّا في هذه اللَّفظةِ، ولو كان عند أحدٍ منه بيانٌ لما وَقَعَ مثلُ هذا الاختلافِ.
ومنْ أشهرِ الأمثلةِ التي يمكن أن يُمثَّلَ بها: اختلافُهم في لفظِ «القُرْءِ» في قولِهِ تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، فقد وَرَدَ في معنى القُرْءِ قولانِ، كلاهما مُعْتَمِدٌ على اللُّغةِ، وهما:
الأول: الحَيضُ، وبه قال عمرُ بن الخطَّابِ (ت: ٢٣)، وأُبَيُّ بنُ كعبٍ (ت: ٣٠)، وعبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ (ت: ٣٢)، وعليُّ بن أبي طالبٍ (ت: ٤٠)، وأبو موسى الأشعريِّ (ت: ٤٣)، وابنُ عبَّاسٍ (ت: ٦٨) رضي الله عنهم.
الثاني: الطُّهرُ، وبه قالَ زيدُ بن ثابتٍ (ت: ٥٥)، وعائشةُ بنتُ أبي بكرٍ الصديقِ (ت: ٥٨)، ومعاويةُ بنُ أبي سفيان (ت: ٦٠)، وعبدُ الله بنُ عمرَ (ت: ٧٤) (١) رضي الله عنهم.
ولو كان عند هؤلاء الصَّحابةِ الكرامِ رضي الله عنهم خبرٌ عن الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم في تفسيرِ هذه اللَّفظةِ لنقلُوه، ولمَّا لم يكنْ عندَهُم، اجتهدوا في بيانِ المرادِ معتمدينَ في ذلك على لغتِهم.
ومن يقرأ في التفسير المأثور عن الصحابة يظهر له ذلك بما للصحابة من توقف في بعض معنى الآي، وما لهم من نصوص صريحة في الاجتهاد؛ كاجتهاد أبي بكر في تفسير الكلالة، وما وقع من اجتهاد ابن عباس (ت: ٦٨) في تفسير العاديات، ثمَّ رجوعه إلى قولِ علي (ت: ٤٠) رضي الله عنهم أجمعين، وغير ذلك من الدلائل التي لا تخفى، والله أعلم.
_________
(١) انظر أقوالهم في: تفسير الطبري، تحقيق: محمود شاكر (٤: ٥٠٠ ـ ٥١٠).