رابعًا: أنَّ من التابعين من تلقّى جميع التفسير من الصحابة:
هذه المسألة التي يذكرها شيخ الإسلام واضحة؛ لأن علم التفسير كان عِلْمًا قائمًا بذاته منذ عهد الصحابة، وكان هذا العلم مما تلقَّاه التابعون عن الصحابة كما تلقَّوا عنهم علم القراءة والحديث والفقه والسلوك.
وكان بعضهم أبرز من بعض في تلقيه وفي تفسيره، وكان من أبرزهم على الإطلاق إمام التابعين مجاهد بن جبر (ت: ١٠٤) الذي تلقى التفسير عن ابن عباس (ت: ٦٨)، كما تلقَّاه عنه عكرمة مولاه (ت: ١٠٥)، وأبو الجوزاء أوس بن عبد الله الرَّبعي (ت: ٨٣) الذي قال: «جاورت ابن عباس ثنتي عشرة سنة في داره، وما من القرآن آية إلا وقد سألته عنها» (١).
وكان ابن عباس (ت: ٦٨) من أخصِّ الصحابة في علم التفسير، بفضل دعوة الرسول صلّى الله عليه وسلّم له، حيث قال صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم فقهه في الدين، وعلّمه التأويل» (٢).
وكان ابن مسعود (ت: ٣٥) معلم الكوفة من كبار مفسري الصحابة، وقد تلقَّاه عنه تلاميذه في الكوفة، وكذا تلقَّاه عن علماء الصحابة في المدينة بعض التابعين؛ كزيد بن أسلم ومحمد بن كعب القرظي.
وهذا معروف في تاريخ التفسير، وسيأتي إشارة شيخ الإسلام لبعض مفسري السلف في حديث لاحق من هذه المقدمة.
خامسًا: أن التابعين قد يتكلمون في التفسير بالاستنباط والاستدلال:
هذه المسألة من المسائل الواضحة في التفسير، ومن قرأ في تفسير
_________
(١) الطبقات الكبرى، لابن سعد (٧: ٢٢٤)، وحلية الأولياء (٣: ٧٩).
(٢) هو مخرج بهذا النص في بعض كتب الحديث؛ مثل: مسند الإمام أحمد (١: ٢٢٦، ٢٦٩، ٣١٤، ٣٢٨، ٣٣٥)، ومسند إسحاق بن راهويه (١: ٢٣٠)، ومصنف ابن أبي شيبة (٦: ٣٨٣)، والمستدرك على الصحيحين (٣: ٦١٥)، وغيرها.