قال عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فهذا حسن في البلاغة، ولكنه دون بلاغة القرآن لأنه لا يؤذن بالعدل كما آذنت بلاغة القرآن، وإنما فيه الإيذان براجع الوبال فقط، والاستعارة للثاني أولى من الاستعارة للأول لأن الثاني يحتذى فيه على مثال الأول في الاستحقاق، فالأول بمنزلة الأصل والثاني بمنزلة الفرع الذي يحتذى فيه على الأصل، فلذلك نقصت منزلة قولهم: الجزاء بالجزاء، عن الاستعارة بمزاوجة كلام القرآن.
الثاني من المجانس وهو المناسبة، وهي تدور في فنون المعاني التي ترجع إلى أصل واحد، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم﴾ فجونس بالانصراف عن الذكر صرف القلب عن الخير، والأصل فيه واحد وهو الذهاب عن الشيء، أما هم فذهبوا عن الذكر، وأما قلوبهم فذهب عنها الخير. ومنه: ﴿يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار﴾ فجونس بالقلوب التقلب، والأصل واحد، فالقلوب تتقلب بالخواطر، والأبصار تتقلب في المناظر، والأصل التصرف. ومنه: ﴿يمحق الله الربا ويربي الصدقات﴾ فجونس بإرباء الصدقة ربا الجاهلية، والأصل واحد وهو الزيادة إلا أنه جعل بدل تلك الزيادة المذمومة زيادة محمودة.


الصفحة التالية
Icon