المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون} ومنه: ﴿وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم﴾ ثم قال: ﴿وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها﴾.
وأما نقض العادة فإن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة: منها الشعر ومنها السجع ومنها الخطب ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث، فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن تفوق به كل طريقة. ولولا أن الوزن يحسن الشعر لنقصت منزلته في الحسن نقصانا عظيما. ولو عمل عامل من الكتان باليد من غير آلة ولا حف ما يفوق الدبيقي في اللين والحسن حتى لا يشك من رآه أنه أرفع الثياب الدبيقية التي بلغت في الحسن النهاية لكان معجزا. وذلك من جاء بغير الوزن المعروف في الطباع، الذي من شأنه أن يحسن الكلام بما يفوق الموزون فهو معجز.
وأما قياسه بكل معجزة فإنه يظهر إعجازه من هذه الجهة، إذ كان سبيل فلق البحر وقلب العصا حية وما جرى هذا المجرى في ذلك سبيلا واحدا في الإعجاز، إذا خرج عن العادة وقعد الخلق فيه عن المعارضة. فإن قال قائل: فلعل السور القصار ممكن للناس، قيل له: لا يجوز ذلك؛ من قبل أن التحدي قد وقع بها فظهر العجز عنها في قوله تعالى: ﴿قل فأتوا بسورة من مثله﴾ فلم يخص بذلك الطوال دون القصار، فإن قال قائل فإنه يمكن في القصار أن تغير الفواصل فيجعل بدل كل كلمة ما يقوم مقامها. فهل


الصفحة التالية
Icon