التنغيص والتكدير، وإنما صار الحذف في مثل هذا أبلغ من الذكر لأن النفس تذهب فيه كل مذهب، ولو ذكر الجواب لقصر على الوجه الذي تضمنه البيان، فحذف الجواب في قولك: لو رأيت عليًا بين الصفين، أبلغ من الذكر لما بيناه.
وأما الإيجاز بالقصر دون الحذف فهو أغمض من الحذف وإن كان الحذف غامضًا، للحاجة إلى العلم بالمواضع التي يصلح فيها من المواضع التي لا يصلح، فمن ذلك: ﴿ولكم في القصاص حياة﴾، ومنه ﴿يحسبون كل صيحة عليهم﴾، ومنه ﴿وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها﴾ ومنه ﴿إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس﴾، ومنه ﴿إنما بغيكم على أنفسكم﴾ ومنه: ﴿ولا يحيق المكر السيئُ إلا بأهله﴾
وهذا الضرب من الإيجاز في القرآن كثير، وقد استحسن الناس من الإيجاز قولهم: القتل أنفى للقتل، وبينه وبين لفظ القرآن تفاوت في البلاغة والإيجاز، وذلك يظهر من أربعة أوجه: إنه أكثر في الفائدة، وأوجز في العبارة وأبعد من الكلفة بتكرير الجملة، وأحسن تأليفًا بالحروف المتلائمة. أما الكثرة في الفائدة فيه ففيه كل ما في قولهم: القتل أنفى للقتل، وزيادة معان حسنة، منها إبانة العدل لذكره القصاص، ومنها


الصفحة التالية
Icon