الفكر، ومن شيء لم يوجد قط ولم يعهد، وإنما يظن ظنًال أنه يجوز أن يكون، وأن له مدخلًا ي الإمكان إذا آجتهد المجتهد، وهل سمع قط أن نبيًا أتى قومه فقال: "حجتي عليكم، والآية في أني نبي إليكم، أن تمنعوا من أمر لم يكن منكم قط، وليس يظهر في بادئ الرأي وظاهر الأمر أنكم تستطيعونه، ولكنه موهوم جوازه منكم، إذا أنتم كددتم أنفسكم، وجمعتم ما لكم، واستفرغتم مجهودكم، وعاودتم الاجتهاد فيه مرة بعد أخرى"؟ أم ذلك ما لا يقوله عاقل، ولا يقدم عليه إلا مجازف لا يدري ما يقول؟
وإذا كان كذلك، وكان الذي قالوه من أن المنع كان من نظم لم يوجد منهم قط، إلا أنهم أحسوا في أنفسهم انهم يستطيعونه إذا هم اجتهدوا واستفرغوا الوسع، بهذه المنزلة، وداخلًا في هذه القضية فقد بان أنهم بذلك قد أوهوا قاعدتهم، وقدحوا في أصل المقالة، من حيث جعلوا الآية والبرهان وعلم الرسالة والأمر المعجز للخلق، في المنع من شيء لم يوجد قط، ولم يعلم أنه كان في حال من الأحوال، وليس بأكثر من أن ظن ظنًا أنه مما يحتمله الجواز ويدخل في الإمكان، إذا أدمن الطلب، وكثر فيه التعب، واستنزفت قوى الاجتهاد، وأرسلت له الأفكار في كل طريق، وحشدت إليه الخواطر في كل جهة. وكفى بهذا ضعف راي وقلة تحصيل.

فصل:


٤٨ - وهذا فصل أختم به:
ينبغي أن يقال: ما هذا الذي أخذتم به أنفسكم؟ وما هذا التأويل منكم في عجز العرب عن معارضة القرآن؟ وما دعاكم إليه؟


الصفحة التالية
Icon