قولُهُ عزَّ وجلَّ:
﴿الر﴾ قد تقدم القول فيه (١)،
روي عن ابن عباس أنه
_________
(١) قال الإمام الحوفي في بداية تفسيره لسورة البقرة من مخطوطه: القول في معنى ﴿الم﴾ سورة البقرة، الآية: ١. اختلف أهل التفسير وأهل اللغة فيها فروي عن عطاء عن أبي الضحى عن ابن عباس قال: ﴿الم﴾ أنا الله أعلم، فـ ﴿الر﴾ أنا الله أرى، و ﴿المص﴾ أنا الله أفصل، وروي عن سعيد بن جبير مثل ذلك وروي عن علي بن أبي طلحة عنه ﴿الم﴾ و ﴿المص﴾ و ﴿كهيعص﴾ وما أشبه ذلك أنه قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله جل اسمه وروي عن قتادة أنه اسم من أسماء القرآن، وروي عن مجاهد قال: هي فواتح السور وقال أبو عبيدة والأخفش: هي افتتاح كلام وقال قطرب: إنما جيئ بها لأنهم كانوا ينفرون عند استماع القرآن فلما سمعوا ﴿المص﴾ و ﴿الم﴾ استكبروا هذه اللفظة فلما أنصتوا له صلى الله عليه وسلم، أقبل عليهم بالقرآن المؤلف ليثبته في آذانهم، ويقيم الحجة عليهم. وقيل هذه الحروف اشتبهت على اليهود فقالوا الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم، أربعون في أشباه لهذا كثير، فأنزل الله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ سورة آل عمران، الآية: ٧. أي أصلُ الكتاب وهو الحلال والحرام، والفرائض، والحدود، وما أشبه ذلك نحو قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ سورة الأنعام، الآية: ١٥١. إلى أخر الآيات الثلاث فهذه، وما كان مثلها المحكمات فأما المتشابهات عليهم، أعني اليهود فـ ﴿الم﴾ و ﴿المص﴾ و ﴿الم﴾ و ﴿المر﴾ وما أشبه ذلك اتبعوه طلبا للفتنة، وطلب تأويل منتهى مدة هذه الأمة فأنزل الله ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ سورة آل عمران، الآية: ٧.. أي لا يعلم منتهى هذه الأمة وما يؤول إليها أمرها من السعادة والشقاء إلا الله-جل وعز- وروي عن جابر بن عبدالله، قال: مر أبو ياسر بن أخطب برسول الله وهو يتلو فاتحة سورة البقرة ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ سورة البقرة، الآية: ١ - ٢. فأتى أخاه حيي بن أخطب في رحال من يهود فقال: تعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ﴾ سورة البقرة، الآية: ١ - ٢. قال: أنت سمعته قال: نعم فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه فقال: يا محمد ألم تذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل عليك ﴿الم﴾ فقال رسول الله: بلى قالوا: جاءك بها جبريل من عند الله فقال: نعم فقالوا: لَقَدْ بَعَثَ اللَّه قَبْلَك أَنْبِيَاء مَا نَعْلَمهُ بَيَّنَ لِنَبِيٍّ مِنْهُمْ مَا مُدَّة مُلْكه وَمَا أَجَل أُمَّته غَيْرك فَقَامَ حُيَيّ بْن أَخْطَب وَأَقْبَلَ عَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ فَقَالَ لَهُمْ الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أَفَتَدْخُلُونَ فِي دِين نَبِيّ إِنَّمَا مُدَّة مُلْكه وَأَجَل أُمَّته إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَة ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه فقال: يا محمد هل مع هذا غيره؟ فقال: نعم، قال: ماذا؟ قال: ﴿المص﴾ فقال: هذا أثقل وأطول الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد ستون فهذه إحدى وثلاثون ومائة. فَقَالَ: فَهَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: نَعَمْ ﴿الر﴾ فقال: هذا أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان فهذه إحدى وثلاثون ومائتان هل مع هذا يا محمد غيره قال: نعم ﴿المر﴾ قالوا: وهذا أطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان فهذه إحدى وسبعون ومائتا سنة ثم قال: لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا ثم قاموا عنه فقال: أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ولمن معه من الأحبار مَا يُدْرِيكُمْ، لَعَلَّهُ قَدْ جُمِعَ هَذَا كُلُّهُ لِمُحَمَّدٍ، إحدى وسبعون، وإحدى وثلاثون ومائة، وإحدى وثلاثون ومائتان، وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبع مائة سنة وأربع سنين فقالوا: لقد تشابه علينا أمره. ويروى أن هذه الآيات نزلت فيهم: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ سورة آل عمران، الآية: ٧. انتهى من تفسير الإمام الحوفي للحروف المقطعة. قال الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله- في تعليقه على تفسير ابن جرير: " هذا حديث ضعيف الإسناد. ابن جرير، مرجع سابق، ١/ ٢٢١. وقال أبو حاتم: لم نجد الحروف المتقطعة إلا في أوائل السور، ولا ندري ما أراد الله بها ورأيت بعض أهل العلم يختار قول مجاهد قال: لأن الأسماء الأعلام كلها منقولة للتفرقة بين المسميات، فمتى لم يرد بالاسم أو الكلمة معنى الأصل وهي على جهة النقل لكون حروف المعجم نقلت إلى التسمية وكل ما كان في القرآن من نظيره فهو مثله في كل قول.