وقولُهُ: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ﴾ أي: لقد كان في يوسف وإخوته عبر للسائلين (١) عن أخبارهم وقصصهم، وإنما أراد تعالى بذلك نبيه محمداً-صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه يقال: إن الله إنما أنزل هذه السورة على نبيه يعلمه ما لقيَ يوسف من إخوته من الحسد، مع مكرمة الله إياه تسلية له بذلك، مما لقى مِنْ إِذَايَته وَأَقَارِبه مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش (٢).
وقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا﴾ أي: لقد كان في يوسف وإخوته آيات لمن سأل عن نبأهم، حين قال إخوة يوسف: ليوسف وأخوه من أمه ﴿أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا﴾، ﴿وَنَحْنُ عُصْبَةٌ﴾ أي: جماعة (٣)، وهي جمع (٤) لا واحد له من لفظه، والعصبة: من عشرة إلى خمسة عشر رجلا، ﴿إِنَّ أَبَانَا لَفِي﴾ خطأ من فعله وإيثاره يوسف وأخاه من أمه علينا بالمحبة، ويعني بالمبين: أنه خطأ بيّن (٥) عن نفسه إنه خطأ لمن تأمله ونظر إليه. وقد تضمنت الآيات: البيان عما يوجبه الحسد من كتمان صاحبه حال النعمة ما أنكر لئلا يحمله على ما لا يجوز، ويزين له ما لا يحسن، والبيان عما يوجبه إخلاص الطاعة لله جل وعز، من اجتباء المطيع وتعليم التأويل، وإتمام النعمة عليه وعلى آله ممن يمسه أمره، والبيان عما توجبه العبرة من طلب إخبار من تقدم مما فيه
_________
(١) فائدة: سورة يوسف-عليه السلام-مشحونة بالدروس والعبر التي يجب على المتدبر للقرآن أن يسأل عنها، ويهتم بمعرفتها. وهذا ما دعا كثيرا من أهل العلم على إحصائها في مصنفاتهم أو التنويه على ذلك. بيان قدرة الله-تعالى-وحكمته وتوفيق أقداره، ولطفه بمن اصطفى من عباده، وتربيته لهم وحسن عنايته بهم للسائلين عنها وعلى المسلم القارئ للقرآن أن يلتمس وجه العبرة في القصص القرآني كله وخاصة قصة يوسف-عليه السلام. العلامات التي أقامها الله في الأنفس والآفاق للدلالة على وحدانيته وكماله وتنزيهه. نصر والهلالي، مرجع سابق، ١/ ٩٥ - ٩٨ - ١٠١.
(٢) ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم، (ت: ٢٧٦ هـ)، غريب القرآن، ت: أحمد صقر، (دار الكتب العلمية، (لعلها مصورة عن الطبعة المصرية)، ١٣٩٨ هـ-١٩٧٨ م)، ١/ ٢١٢. ابن جرير، مرجع سابق، ١٣/ ١٧.
(٣) ابن جرير، مرجع سابق، ١٣/ ١٨.
(٤) كذا في الأصل ولعل الصواب "اسم جمع" لاستقامة المعنى والله أعلم.
(٥) السمرقندي، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم (ت: ٣٧٣ هـ)، بحر العلوم، ٢/ ١٨١. الثعلبي، مرجع سابق، ٥/ ١٩٩.


الصفحة التالية
Icon