قال الراعي (١):

حَتَّى إذَا لم يَتْرُكُوا (٢) لِعِظَامِهِ لَحْمًا وَلا لِفؤادِهِ مَعْقول
أي: عقلا. وقوله تعالى: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ أي: قال يعقوب لبنيه الذين أخبروه أن الذئب أكل يوسف، مكذباً لهم في خبرهم: ذلك ما الأمر كما تقولون، ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا﴾، يقول بل زينت ﴿لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ في يوسف وحسنته ففعلتموه، كما روي عن قتادة (٣). ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ على ما فعلتم بي في أمر يوسف فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل أولى بي، والله استعين على كفايتي شر ما تصفون من الكذب، وقيل الصبر الجميل: هو الذي لا جزع فيه (٤)، وقيل أن النبي-صلى الله عليه وسلم- سُئل عن صبر جميل؟ قال: صبر لا شكوى فيه، وقال من بثه فلم يصبر" (٥)، وروى الثوري عن حبيب بن أبي ثابت أن يعقوب النبي -صلى الله عليه
_________
(١) هو عبيد بن حصين بن معاوية النميري، وكان سيدا، وإنما قيل له الرّاعى لأنّه كان يصف راعى الإبل فى شعره. وكان بنو نمير أهل بيت وسؤدد، ويكنى أبا جندل. وكان أعور، عاصر جريرا والفرزدق. (ت: ٩٠ هـ). الجاحظ، مرجع سابق، ٧/ ٤٥٥. ابن قتيبة الدينوري، الشعر والشعراء، مرجع سابق، ١/ ٤٠٤. الزركلي، مرجع سابق، ٤/ ١٨٩.
(٢) من ملحمته المشهورة، قالها لعبد الملك بن مروان، وكان بعض عماله على الصدقات، قد أوقع ببني نمير قوم الراعي، لأن قيسًا كانت زبيرية الهوى، فقال: أَخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إنَّا مَعْشَرٌ... حُنَفَاءُ نَسْجُدُ بُكْرَةً وأصِيلاَ إلى أن قال: حَتَّى إذَا لم يَتْرُكُوا...... ديوانه، البيت: رقم، ٧٤. ص ٢١٠. الخطاب، أبو زيد محمد بن أبي القرشي (ت: ١٧٠ هـ)، جمهرة أشعار العرب، حققه وضبطه وزاد في شرحه: علي محمد البجادي، (نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع)، ١/ ٧٣٣... لحما ولا لفؤاده معقولا. ولعل حدث خطأٌ من الناسخ فالصواب "معقولا" لثبوته في المصادر السابقة والله تعالى أعلم. فإنه من قصيدة للراعي النميري مذكورة في جمهرة أشعار العرب "... بتصرف.
(٣) ابن جرير، مرجع سابق، ١٥/ ٥٨٣. ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢١٨٤.
(٤) عبدالرزاق، مرجع سابق، ١/ ٣١٨.
(٥) الصبر والثواب عليه لابن أبي الدنيا، باب صبر لا شكوى فيه، ١/ ٨٣. رقم الحديث ١١٠. تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي، باب سورة يوسف عليه السلام، ٢/ ١٦١، بلفظ "صَبر لَا شكوى فِيهِ من بَث لم يصبر". رقم الحديث ٦٢٥. تفسير ابن كثير ط العلمية، سورة يوسف: الآيات ١٩، ٤/ ٣٢٢ وقال: حديث مرسل. وهو في تفسير عبدالرزاق، مرجع سابق، ١/ ٣٢٨ وابن أبي حاتم، ٨/ ٣٠٩ وابن جرير، ١٥/ ٥٨٥. بلفظ "صبر لا شكوى فيه. قال: من بثّ فلم يصبر".


الصفحة التالية
Icon