المطلب الخامس
تأثر الإمام الحَوفي ببيئته، وتأثيره فيها
كان جل العلماء الأفذاذ لا تهمهم الدنيا الفانية، فكان يكفيهم القليل من متاعها، ولم يكن يهمهم إلا إيصال العلم إلى طلابهم، أو إيقاظ همة العلم في الناس. فلم يستطع الحكام الفاطميون القضاء على الفكر الإسلامي الحنيف، ولم يستطيعوا التأثير على العلماء المخلصين كما لم يستطيعوا أن يغيروا عقيدتهم الراسخة رسوخ الجبال، وهذا لا يعني أن أحدا منهم لا يدنو من الحكام ليتعامل معهم، ولكن من يتعامل معهم قليل، فذهبت هيبته في نظر الشعب.
وإذا كانت الحالة السياسية سيئة، والاجتماعية منخفضة، والاقتصادية منكمشة، فكل ذلك لم يؤثر على حياة شيخنا الإمام الحَوفي-وهو لم يكن بمنأى عن البيئة التي يعيش فيها بل كان يفكر في كل الأحداث التي تقع بالأمة الإسلامية، ولكن هذه البيئة السيئة دفعته إلى المزيد من طلب العلم، وإلى المزيد من الجهاد لتعليم طلبة العلم، فلم تسقه الحاجة إلى أبواب الحكام والسلاطين (١).
وأما تأثيره في غيره من العلماء المخلصين، فقد كان عظيما- بحيث لم يستطع الحكام الفاطميون أن يغيروا مذهب أهل السنة عند المصريين، ومن هنا قال المترجمون للإمام الحَوفي: إنه عالم كبير انتفع به أهل مصر، وتخرجوا به في النحو (٢).
_________
(١) ولهذا لم يصلنا من مصنفاته إلا [البرهان في علوم القرآن].
(٢) الذهبي، العبر في خبر من غبر، ت: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، ط ١، (بيروت: دار الكتب العلمية)، ٢/ ٢٦٣.