لأن من فعل لعوض يناله فهو فقير، أو متجر والغنيّ هو الذي لا يحتاج في ذاته وكماله إلى غيره، والغنيّ المطلق هو الذي وجوده من ذاته، وهو نور الأنوار ولا غرض له في صنعه بل ذاته فياضة للرحمة، وهو الملك المطلق كما في هياكل النور، وأصل الفيض سيلان الماء من جوانب ما هو فيه لزيادته، ووجه الثبه كثرة المنافع، أو هو من فاض الخبر إذا شاع فيكون حقيقة كما فصل في حواشي شرح المطالع، وفائض الجواد وصف بحال المتعلق كواجب الوجود أي فائض جوده وواجب وجوده. قوله: (ويا غاية كل مقصود) أي كل مطلوب يطلبه كل طالب لا بدّ أن ينتهي إليك، فإنك المفيض للخير لا سواك من الوسايط، فالمراد
بالغاية معناها اللغوي وهو المنتهى، وهذا هو الظاهر، أو هو من العلة الغائية، ومعنى كونه العلة الغائية أنّ ذاته كافية في وجود ما يوجد، ويصدر عنه، فهو بذاته علة فاعلية من حيث التأثير، وعلة غائية من حيث كونه المقتضي لفاعليته على نحو ما حقق في كون صفاته تعالى عين ذاته، كما قاله الدواني في " شرح هياكل النور " فتأمّل في الوجهين، واختر لنفسك ما يحلو، ويحتمل أن يكون المعنى أنه أسنى المقاصد وأعلاها فإن جميع الموجودات وسيلة لمعرفته التي هي نهاية المآرب، وقبلة وجوه المطالب.
لمانما أنت مغناطيس أنفسنا فحيثما كنت دارت نحوك الصور
وإطلاق الغاية وقع في كلام الحكماء كالمبدإ، ولما كان غاية الغايات دعا بعد التوجه إليه للواسطة بيننا وبينه، فقال: صلى عليه أي على عبدك ونبيك السابق ذكره. قوله: (توازي غناءه الخ (سيأتي معنى الصلاة، وتوازى بمعنى تقابل، وتساوى وماضيه آزى، وتبدل همزته واواً في المضارع فيقال: يوازي ولا يبدل في الماضي، فيقال: وازى، وهي مولدة عند بعض أهل اللغة، وقال التبريزي: يجوز حملاَ على المضارع وتجازى تكون جزاء وعوضا، والغناء بفتح الغين المعجمة والمد النفع، وقيل: معناه اقامته للدين لقوله في القاموس: ما فيه غناء ذاك أي إقامته، ولا يخفى ما فيه من الركاكة، والعناء بالمهملة التعب، ونفعه عليه الصلاة والسلام في الدارين أجلى من البيان، وتعبه في تبليغ الرسالة، واعلاء كلمة الله على ما فصل في السير مما لا تفي به طاقة البشر، والمعنى صل عليه صلاة لا تحصى ولا تعد، كما أنّ منافعه وما تحمله من اعباء الرسالة كذلك، والغناء بالمعجمة في الأوّل، وبالمهملة في الثاني، وأجاز بعضهم عكسه، وجزالة المعنى تأباه، وفي قوله توازى وتجازى جناس مضارع، وفي قوله غناءه وعناءه جناس مصحف، وهذا مأخوذ مما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا من أن من قال: جزى اثبما عنا نبينا محمد ﷺ ما هو أهله، أتعب سبعين كاتبا ألف صباح. قوله: (وعلى من أعانه الخ) الإعانة المساعدة قولاً وفعلاً، والمراد بهم الصحابة رضي الله عنهم، وبما يعده من خلفهم من التابعين وعلماء الدين والتقرير والتقوية والتثبت، وتبيانه بكسر التاء المثناة الفوقية مصدر بمعنى البيان، وفي وزن تفعال بالكسر كلام سيأتي في محله، وفي نسخة بنيانه بضم الباء الموحدة مصدر بناه يبنيه، وهو استعارة لما أتى به من الشرع وأحكامه كما في الحديث) بني الإسلام على خمس " (١ (والتقرير على النسخة الأولى من قرّر المسألة حققها وبينها فجعلها قارّة في الأذهان أو في نفسها، وعلى الثانية من القرار والبقاء ترشيحا لاستعارة البناء، لأنه من شأنه
أو استعارة أخرى تبعية، وتقريرا مصدر مؤكد. قوله: (وأفض علينا من بركاتهم الخ) قد مرّ تحقيق الإفاضة، وما يدلّ على أنها الإحسان الكثير والبركة للزيادة والنماء، وهي هنا زيادة معنوية، والمعنى حصل لنا الخيرات بالتوسل بهم إليك حتى كان ذلك من نفس خيراتهم، أو علمنا علومهم، وأفض علينا من معارفهم. قوله: (واسلك بنا مسالك كرامائهم) أي أدخلنا في الطريق التي أوصلتهم إلى إكرامك لهم بنيل المراتب العلية عندك، وبما أعددته لهم مما هو، كالمنزل لهم في دار البقاء، وهذا أحد معاني الكرامة، وقال بعض الفضلاء ذكرهما بين صل وسلم لكونه أقرب إلى الاستجابة لوقوعهما بين المستجابين، ولو بالنسبة إلى بعض المدعوّ لهم، والباء في بنا للدلالة على التكرير والدوام، فإنّ السلك بالفتح بمعنى الإدخال متعد قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الشعراء: ٢٠٠] وفي لغة أخرى يقال أسلك فيه، وأدرج دعاء التسليم على من أراده بضمير علينا في دعاء التسليم على النبي صلى الله


الصفحة التالية
Icon