رمضان وان كان من قبيل حذف بعض الكلمة نظراً لأصله إلا أنه قيل عليه أنه في مقام بيان الاسم لا يؤمن الإلباس وانما يلزم ما ذكر لو لم يكن كل منهما بدون السورة، وقد قيل به، ويؤيده ما جاء في الحديث مما يدل على أنه يطلق عليها الكنز بدون السورة وهو قوله عليه الصلاة والسلام " إن الله قال فيما من به على رسوله إتي أعطيتك فاتحة الكتاب وهي كنز من كنوز عرشي " وقد قالوا إنه سبب تسميتها به ثم إنّ كونها كنزا أو من كنز استعارة وتمثيل لعظم ما فيها وهو أنفس من الجواهر بل هي عنده من الحجارة، أو أخس وجعل العرس، والسموات مهبطه، لأنها محل ابتداء ظهوره وفيضه، ولذا رفعت الأيدي في الدعاء نحوها وان تنزه الله عن المحل والجهة وقيل: إنه من المتشابه الذي استأثر به وهو أسلم. قوله: (سورة الحمد والشكر الخ الاشتمالها عليها أي على المذكورات أمّا اشتمالها على الحمد فظاهر، وكذا على الشكر لأنه في مقابلة نعمة الربوبية والرحمة الشاملة كما سيأني، وليس هذا مبنيا على تقدير قل كما قيل واستشكل بأنه في مقابلة النعمة بل النعمة الواصلة للشاكر، وأين ذلك هنا إلا أن يقال إنّ توصيفه برب العالمين يشعر بالعلمية وأنّ الحمد لذلك كما صرّح به الإمام، وهذا لا يتم إذا جعل حمداً من الله لذاته الأقدس، ولذا قيل إنه شكر إذا قرأه العبد في مقابلة نعمة، وهو تكلف ولا يخفى سقوطه، لأنه سواء قدر قل، أولا فإن كل قارىء منعم عليه فإذا حمد كان في مقابلة ذلك، ولا حاجة إلى ما قيل إنه يؤخذ من قوله: (أنست الخ (بل لا وجه له، فإنها مشتملة على الحمد وهو أعم من الشكر والحمد الحقيقي شكر لغوفي فتدبر. وقوله: (والدعاءا لوقوعه فيها وتعليم المسألة بأن يثنى ويبظم المسؤول، ثم يتوجه إليه بصفاته، والمسألة هنا مصدر ميمي بمعنى السؤال، والمراد تعليم كيفية السؤال، وطريقه وليس محل السؤال لاحتياجه إلى التكلف، والشكر وما بعده مجرورات، وفيه ما مرّ من حذف جزء العلم أو العطف عليه، وكون التسمية بمعنى الإطلاق لا وضع العلم، ونصبها على أنّ العلم الشكر وما بعده بعيد، وفي التفسير الكبير الاسم العاشر السؤال يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن رب العزة سبحانه وتعالى قال: من شغله ذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " (٢) وقد فعل الخليل عليه الصلاة والسلام
ذلك حيث قال: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ [الشعراء: ٧٨] إلى قوله: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [الشعرأء: ٨٣] ففي هذه السورة وقعت البداءة بالثناء عليه تعالى، ثم ذكر العبودية، ثم ذكر الاستعانة، ثم وقع الختم على طلب الهداية.
وأورد عليه أنه لا يتحصل مما ذكره الدلالة على تسميتها بالسؤال الذي أراده، ثم مقتضى الحديث تجرّد الذكر عن السؤال والسورة جامعة بينهما، فلا مناسبة لهذا الحديث هنا، وليس كما توهمه المعترض بل المراد أنّ تسميتها بالسؤال، لأنها مشتملة على تعليمه وبيان كيفيته اللائقة بالكاملين كما مرّ، ويشهد له قصة الخليل عليه الصلاة والسلام، وكذلك هذا الحديث القدسي أيضا بناء على أنّ المراد منه اشتغاله بذكره في ابتداء توجهه للسؤال لأنه نصب عينيه وقبلة اقباله، ومن أحب شيأ أكثر من ذكره ويؤيده ما ذكره بعده نعم هو لا يخلو من الخفاء وكون المراد بالحديث ما ذكر غير مسلم، وقد سئل بعض التابعين عما ورد في الحديث " أفضل ما دعاني به عبدي، لا إله إلاً الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ") ١ (فقيل كيف سمي هذا دعاء، وهو صرف ذكر، فقال هو دعاء أيضاً لحديث " من شغله ذكري " الخ ثم نقل هذا الجواب لبعض السلف فقال: هو كما قال فإنّ الثناء على الكريم سؤال وطلب، فقيل: هل عرف مثله فقال: نعم أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت في ابن جدعان في قصيدته المشهور ة:
" ذكرحاجتي أم قدكفاني حياؤك إنّ سميتك الحياء
إذا أثنى عليك المرءيوما كفاه من تعرّضك الثناء
ونحوه قول الغنوي:
واذا طلبت إلى كريم حاجة فلقاؤه يكفيك والتسليم
وهو معنى بديع سيأتي بيانه. قوله: (لاشتمالها عليها) أي على المسألة، وكيفية تعليمها
ولو قال: عليه بإرجاع الضمير للتعليم كان أظهر وفي تفسير ابن برحان من آداب الدعاء وحلية السؤال، والضراعة إلى الملك


الصفحة التالية
Icon