الحديث إنما يدل على أنها شفاء في نفس الأمر وأنه أطلق عليها الشفاء شرعا، وليست التسمية هنا بمعنى الإطلاق إلا أن يقال وضمع الاسم ثبت بالنقل عن الثقات، ولا حاجة لدعوى الاجماع كما قيل، فالحديث إنما ذكر لبيان سند ما نقل ولا ثبات الباعث على التسمية به. قوله: (والسبع المثاني الخ) السبع منصوب. وقوله: (لآنها الخ) علة لتسميتها سبعا، وفيه أنه ذكر في التيسير أنها ثمان آيات عند الحسن البصريّ وست آيات في قول الحسن الجعفي، وقد نقل عن بعضهم أنها تسع أيضا فكيف يتأتي دعوى الإتفاق أو الإجماع المذكور في كثير من التفاسير وعليه المصنف فقيل أراد اتفاق الجمهور ومن يعتد به فخلاف غيرهم بمنزلة العدم، ومخالفة واحد أو اثنين تسمى خلافا لا اختلافاً، فلا يخرج بها الحكم بكونه متفقا عليه، وقيل المراد اتفاق القرّاء، وقيل اتفاق الحنفية، والشافعية وما له لما مرّ فلا وجه لردّه به، وقيل: إنه لا خلاف فيه والزيادة
وأخرجه الديلمي ٤٣٨٥ والبيهقي في الشعب كما في الدر ١ / ٢٢ من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ " فاتحة الكتاب شفاء من السم ". وللحديث شواهد أخرى انظر الدر المنثور ١ / ٢٢- ٢٣.
والنقص وهم من الراوي لأنه لما رأى عد ﴿أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾ آية ظن أنه في الباقي مع غيره ولما رأى عدّ التسمية فيه كذلك، وهو مراد المصنف بقوله إلا أنّ الخ وفي قوله: ﴿أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾ تسامح أي ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ﴾ الخ لظهور أنّ الموصول بدون صلته، والمضاف بدون المضاف إليه لا يعد آية فمبدؤها معلوم وانما الخلاف في آخرها قوله: (ومنهم من عكس) أي عد أنعمت عليهم آية دون التسمية والمناسب لما جعل عكسا له أن يكون المراد أنه جعل التسمية جزأ من آية كما ذهب إليه البعض، فيلزمه عدم التعرّض لمذهب الحنفية وهو أنّ التسمية خارجة عن السورة. وقوله: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ﴾ آية وقوله ﴿غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ آية أخرى، وان لم يحمل عليه يلزم عدم التعرّض لبعض المذاهب وأمره سهل إذ ليس في كلامه ما يدل على الانحصار قيل: ولا يبعد أن يجعل قوله: ومنهم من عكس إشارة إليهما على أنّ المراد بعدم جعل التسمية آية ما يتناول خروجها عنها وجعلها جزأ منها وليس في القرآن سورة آياتها سبع غير الفاتحة، وسورة أرأيت. قوله: (وتثني في الصلاة الخ) أي تكرّر وأصل معنى ثني الشيء ردّ بعضه على بعض. قال الراغب سمي القرآن مثاني لأنه يثني على مرور الأوقات، ويكزر فلا يدرس وينقطع، ولا تنقضي عجائبه، ويصح أن يكون من الثناء لأنه يثنى عليه، وعلى من يتلوه ويعمل به وجوّز فيه أن يكون جمع مثنى كمرمى أو مثنى مشدّد النون أو مثنى مخففاً مته، وكلها مع هاء التأنيث وبدونها، والجمع بالنظر للآيات، وهذا بيان لإطلاق المثاني عليها وهي من التثنية، وقد فسرت هنا بالتكرير ولا يرد أنها تثلث في المغرب، وتربع في الرباعية مع أنه اقتصار على الأقل، فلا ينفي الزيادة، ولا ترد الركعة الواحدة، وصلاة الجنازة لأنّ المراد المتعارف الأغلب من الصلاة، وغير المصنف عبارة الكشاف وهي قوله: تثني في كل ركعة وهي عبارة مأثورة عن عمر بن الخطاب رضي الله عته، وقد أورد عليها أنها تثني في الصلاة لا في الركعة وأجيب عنه بأنه مجاز مبالغة في أنّ كل صلاة فعلة واحدة كركعة أو أنها تكرّر في كل ركعة بالقياس إلى أخرى، وقيل: في للمصاحبة أي تثني مع كل ركعة، ويفهم منه عرفا أنّ كل ركعة تثني معها كما إذا قيل فلان يأكل مع كل أحد لا يفهم مته إلا أنه يأكل مع كل أحد يأكل معه، وهذا مع كونه تكلفا بارداً زعم قائله أنه أحسن الوجوه وأولاها، وقيل الأشبه أن يراد بيان محل التكرير على معنى أنّ الفاتحة تكرّر في كل الصلاة بحسب الركعة لا بحسب أركانها كلها، كالطمأنينة ولا بحسب ركعتين ركعتين كالتشهد في الرباعية ولا بحسب كل صلاة كالتسليم، فإن تعددت الركعة تعدّدت الفاتحة والا فلا كأنه قيل تثني باعتبار الركعة واعترض عليه بأنّ هذا المعنى، وان كان واضحاً في نفسه إلا أنّ دلالة هذه العبارة عليه في غاية الخفاء ويردّ بأنّ مراده أنّ لفظ في ههنا، كما في قولهم يستعمل في وضع الشرع لكذا بمعنى أنه مستعمل بحسبه، واعتباره وهو واضح، وان خفي عن الفاضل المعترض (وأقول) هو لم يخف عليه كيف وهو أبو عذرته كما حققه في شرح العضد في قول
ابن الحاجب الحقيقة اللفظ المستعمل في وضع أوّل حيث قال: هذا يحتاج لتمهيد مقدمة وهي أنّ في ليس ظرفاً للاستعمال تحقيقا، بل تقديراً، فإنه لما تعلق بالمعنى تعلقا مخصوصا صار كأنه ظرف للاستعمال محيط به، ولا شك أنّ الاستعمال متعلق بالوضع ناشىء عنه بحيث يتصوّر فيه ظرفية تقديرية، فكما يقال


الصفحة التالية
Icon