تعريضا بكفار أهل الكتاب يكون التشنيع على الكفار مناسبا لأنا نقول المقصود حينثذ التعريض بأنهم لما لم يؤمنوا بما أنزل عليه لم يصح إيمانهم، وهذا غير مناسب لما بعده، وأمّا قوله تعالى ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا﴾ [الإسراء: ٨٢] فشيء آخر وهو تصريح لا تعريض فتدبر (ثم إنه بقي ههنا أمر لا بدّ من التعرّض له) وهو إنّ المباينة في أسلوب الأداء وطريق التعبير السابق تقريره جعلها الزمخشريّ مقتضية لترك العطف، ولم ينوّره أحد منهم ووجهه أنّ قوله ﴿إن الذين كفروا﴾ إلخ يتضمن عدم انتفاع هؤلاء الكفار بالآيات والنذر، وهو في قوّة أن يقال إنهم لم يهتدوا بهدى هذا الكتاب وهذه جهة جامعة لو لوحظت جاز العطف كما تقول إنّ المتقين اهتدوا بنور الكتاب وانّ الكافرين هاموا في مهامة العقاب إلاً أنه لم يلتفت لهذا، وأنما قفصد أن ينعي حالهم ويشنع عليهم، فنزه قدر التنزيل عن النظر إلى تعاميهم عنه، فإنه ذنب عقابه فيهم، وقد جعل العلامة مباينة الأسلوب كناية عن عدم الالتفات لهذه الجهة الجامعة واليه أشار السكاكيّ بقوله، وان كان بينهما جامع غير ملتفت إليه لبعد المقام عنه فلذ درّه ما أبعد مرماه وأحسن مغزاه، فمباينة الأسلوب متممة لمباينة الغرض، ولذا أدرجها المصنف فيها ولو صرّح بها كان أحسن، فما قيل من أنه لم يذكر التباين بي الأسلوب كما في الكشاف لأنّ التباين في الغرض هو الأصل في الفصل والتباين في الأسلوب من توابعه، ولوازمه كما لا يخفى على المتأمّل، ولهذا فرع صاحب الكشاف التباين في الغرض والأسلوب معاً على ما يوجب التباين في الغرض فقط، وهذا مما لم يتعرّضوا له مع لزومه ليس مما يشفي الغليل، وإنما سكت عن تغاير الأسلوب لظهوره، وقيل إنما لم يتعرّض له المصنف لأنه نظر إلى أنّ العمدة في وصل الجملتين بالواو، وهو وجود الجامع المعنوي بينهما وتناسب الجملتين في الغرض جامع معنويّ معتد به يحسن به عطف الثانية على الأولى بخلاف الأسلوب، فإنه أمر لفظيّ وكثيراً ما يغيرون أسلوب المعطوف عن سنن المعطوف عليه لنكتة داعية إليه، ولما كان التباين في الأسلوب غير ضارّ في العطف إذا كان بينهما جامع مصحح للعطف لم يجعل من أسلوب القطع وهذا كله غفلة عما حققنا، فاشدد يدك عليه ولا تنظر لما بين يديه. قوله: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ [الانفطار: ١٣] سيأتي تفسيرها واتحاد الأسلوب فيها ظاهر وأما الجامع، فلأنها سيقت فيها الجملة الأولى
لبيان ثواب الأخيار والثانية لذكر جزاء الأشرار مع ما فيها من الترصيع والتقابل، لتضادّ كل من طرفي الجملتين، وقد عد أهل المعاني التضادّ وشبهه جامعاً يقتضي العطف، لأنّ الوهم ينزل المتضادين منزلة المتضايفين، فيجتهد في الجمع بينهما في الذهن حتى قالوا: إنّ الضد أترب خطورا بالبال مع الضد من الأمثال. قوله: (وإنّ من الحروف التي إلخ) يعني أنها شابهت الفعل الذي هو أصل العوامل فعملت لشبهها له مادّة وهيئة ومدخولاً ومعنى وعمله هو الرفع والنصب، إلاً أنه قدم من معمولاته المرفوع لأنه عمدة وأخر المنصوب لأنه فضلة على مقتضى الأصل وعكس فيها تنبيها على فرعيتها وحطاً لرتبتها وعدد الحروف ثلاثة، وهي أقل ما ينبني عليه الفعل وبنى على الفتح آخرها، ولزمت الأسماء ولها معان مثله كالتأكيد والاستدراك، وهو ظاهر. وقوله: (والمتعذي) بالنصب معطوف على الفعل أي وشابهت الفعل المتعدي فيما ذكر، وما قبله في مشابهة الفعل مطلقا، والإيذان الإعلام، وضمير بأنه راجع إلى الحرف المعلوم مما قبله ودخيل فيه أي ليس بأصيل في العمل لأنه عمل لمشابهته للفعل يقال هو دخيل في بني فلان إذا انتسب إليهم ولم يكن منهم، وقال: حروف دون أحرف لأنه المشهور في جمع حرف بمعنى كلمة أو جزئها وأحرف مشهورة في الحرف بمعنى اللغة كما في الحديث " أنزل القرآن على سبعة أحرف ") ١) وهو وان كان جمع كثرة وهي ستة إلاً أنه بعد دخول الألف واللام بطلت جمعيته فجاز استعماله في القليل والكثير. قوله: (كان مرفوعاً بالخبرية إلخ) فيه تسمح لأنّ العامل فيه عند الكوفيين المبتدأ أو الابتداء والباء للسببية واعتمد على شهرته وظهور المراد منه، فاندفع ما قيل عليه من أنه لم يقل أحد إنّ العامل في الخبر الخبرية بل من نحاة الكوفة من قال: العامل في الخبر المبتدأ كما إنّ العامل في المبتدأ الخبر إذ المعنى المقتضي للرفع فيه