في باب المفعول معه ينافيه بحسب الظاهر، وليس هذا محل تفصيله ثم إنّ ما ذكره المصنف أيضاً يرد عليه إنّ ما ذكره من التجوّز في الفعل بإرادة جزء معناه، وهو الحدث لا يتأتى فيما إذا كان المعاد لأن بعد همزة التسوية أو أحدهما جملة اسمية كما في قوله ﴿سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٣] لكته يدخل في الميل مع المعنى، وقد نقل ابن جني في إعراب الحماسة عن أبي علي رحمه الله أنه قال: الجملة المركبة من المبتدأ والخبر تقع موقع الفعل المنصوب بأن إذا انتصب وانصرف القول به، والرأي فيه إلى مذهب المصدر كقوله تعالى ﴿هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء﴾ [الروم: ٢٨] (ووجدت أن في التنزيل) موضعاً لم يذكره، وهو قوله تعالى ﴿أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى﴾ [النجم ٣٥] أي فيرى ألا ترى أنّ الفاء جواب الإستفهام وهي تصرف الفعل بعدها إلى الانتصاب بأن مضمرة، وأن والفعل المنه صوب مصدر لا محالة، حتى كأنه قال أعنده غلم الغيب فرؤيته كما أنّ قوله تعالى ﴿فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء﴾ [الروم: ٢٨] في معنى هل بينكم شركة فاستواء هذا وجه السماع اهـ وهذا من نفيس الفوائد وستأتي تتمته في محله إن شاء الله تعالى. قوله: (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه) فتسمع فيه بمعنى السماع على ما مرّ، وهو مبتدأ وخير خبر وما قالوه هنا إنما يتاتى على رفع تسمع من غير تقدير أن المصدرية فيه وهو رواية، وفيه روايات أخر نصب تسمع بأن مقدرة فيه.
وفي شرح الفصيح روي لا أن تراه وكان الكساتي يقول أن تسمع ويدخل فيه أن والعامّة
لا تدجلها وقال أبو عبيد: حذف أن أشهر، ويقولون تسمع بالرفع والنصب.
وقال الأستاذ: ليس فيه إسناد إلى الفعل كما ظنه بعضهم مستدلاً به وبقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ يريكم البرق﴾ [الروم: ٢٤] وقول الشاعر:
وحق لمثلي يا بثينة يجزع
جعله مسندا إليه مبتدأ ونائب فاعل وهو فاسد لأنّ الفعل وضع لأن يخبر به لا عنه وما ذكروه أن مقدرة فيه، فهو اسم وقال الفرّاء تسمع بالمعيدي لا أن تراه لغة بني أسد وهي العليا وقيس تقول لأن تسمع بالمعيدي إلخ والمعيدي قال الكسائي تصغير معدي منسوب إلى معد بالتشديد وكان يروى المعيديّ بالتشديد ولم يسمع من غيره وقال سيبويه: خفف لكثرة دوره ولو حقر معدفي في غير المثل شدد، والمثل يضرب لمن تراه حقيراً وقدره خطير وخبره أجل من مرآه وأوّل من قاله النعمان بن المنذر، وقيل المنذر بن ماء السماء والمعيدي رجل من بني
فهد، وقيل من بني كنانة واختلفط في اسمه فقيل صقعب بن عمرو، وقيل شقة بن ضمرة، وقيل ضمرة التميي، وكان صغير الجثة عظيم الهيئة، ولما قيل له ذلك قال أبيت اللعن إن الرجال ليسوا بجزر يراد بها الأجسام، وإنما المرء بأصغريه وقال الميداني: عدي تسمع بالباء لتضمته معنى تحدّث، وظاهر كلامهم أنه يعدّي بها حقيقة وقال قدس سرّه في بعض كتبه الفعل كضرب يشتمل على حدث، ونسبة مخصوصة بينه وبين فاعله، وتلك النسبة ملحوظة بينهما على أنها ا-لة لملاحظتهما على قياس معنى الحرف، فلا يصح أن يحكم عليه بشيء ولا أن يحكم به نعم جزؤه، وهو الحدث مأخوذ من مفهوم الفعل على أنه مسند إلى شيء آخر، فصار الفعل باعتبار جزئه محكوما به وأمّا باعتبار مجموع معناه فلا يكون محكوماً عليه ولا به أصلاَ اهـ.
وفيه بحث لا يخفى، وهو لا ينافي قول العلامة الفعل أبداً خبر فتدبر. قوله: (وإنما عدل
هنا إلخ) جواب عن سؤال تقديره إذا صح الإسناد إليه لتجرده لمعنى الحدث وكونه بمعنى المصدر قيل، فلم لم يؤت بالمصدر على الأصل والحقيقة، فقال عدل عنه لنكتة ومعنى وسبب العدول وجه واحد وهو إيهام التجدد أو وجهان معنويّ، وهو المذكور ولفظيّ وهو حسن دخول الهمزة وأم لأنّ الإستفهام بالفعل أولى وقد اختار الثاني كثير من أوباب الحواشي بناء على أنّ قول المصئف رحمه الله وحسن دخول الهمزة حسن فيه اسم مجرور لعطفه على مجرور من قبله، وهو إيهام التجدّد، وفيه احتمالان آخران كما سيأتي بناء على أنّ السبب واحد وهو المطابق لما قاله الإمام، فإنه الذي أبدى هذه النكتة فقال في جواب السؤال معناه سواء عليك إنذارك لهم وعدمه بعد ذلك لأنّ القوم كانوا بالغوا في الإصرار واللجاج والإعراض عن الآيات والدلائل إلى حالة ما بقي فيهم البتة رجاء القبول بوجه وقبل ذلك ما كانوا كذلك، ولو قال إنذارك وعدم إنذارك لما أفاد أنّ هذا المعنى إنما حصل في هذا الوقت دون ما قبله، ولما قال " نذرتهم إلخ أفاد أنّ هذه الحالة إنما حصلت في هذا الوقت فكان