نفي القرآنية رأسا لأنه أدنى مراتب الخلاف مع قيام الأدلة على قرآنيتها، وكذا ذهب بعض الحنفية إلى أن الصحيح أنها آية فذة أنزلت للفصل أو لبيان أوائل السور فلا يرد عليه الفاتحة حتى يقال هو بالنسبة لعود الخاتم إلى الصدر. وقوله: (ليست من السورة عنده) يحتمل القولين وقيل الفاء لمجرّد تأخر الظن عن عدم
النص، وسبب الظن أمر بالإسرار بها، وقال الكرخي: لا أعرف هذا المسألة بعينها لمتقدمي أصحابنا إلا أن أمرهم باخفائها يدل على أنها ليست من السورة، وقيل: إنه لم ينص فيها بشيء ظن أنه أبقاها على أصلها من العدم حتى يظهر الثبوت وقيل: ظن في هذه العبارة ليس فعلاَ مجهولاً بل مصدر منوّن مرفوع لأنه خبر أنّ مقدم والمراد تزييف نسبته إليه، والردّ على الزمخشري في قوله: إنه مذهب أبي حنيفة تلميحاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ (قلت) وهو من بعض الظن أيضا. وما في الكشاف: إن لم نقل أنه ظفر برواية عنه بناء على إطلاق مذهب أبي حنيفة على ما يشمل كلام أصحابه كما هو المتداول بينهم. فمان قلت: كيف يصح القول بأنها ليست منها وأن أبا حنيفة لم ينص فيها بشيء مع أنّ محمد بن القاسم، والبرهان الكافي وغيرهما نقلوا عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى إيجابها في الصلاة، حتى قال الزيلعي رحمه الله: يجب سجود السهو بتركها، ونقل عن المجتبى وجوبها في كل ركعة قلت: قال أستاذي المقدسي في كتاب الرمز عن شرح المختار لشيخه السمديسي: إنها ليست بواجبة فقد حكى المحققون كالإمام أبي بكر الرازي والكاشافي وغيرهما أن الخلاف في السنية لا في الوجوب، وقال بعض المحققين: القول بوجوب البسماة ليس له أصل في الرواية وما نسب إلى أبي حنيفة من الخلاف في الوجوب من طغيان اليراع، وكذا ما ذكره الزيلعي ويلزم مما ذكر أنها ليست آية من غيرها أيضاً إذ لا قائل بأنها آية من غير الفاتحة فقط قوله: (وسئل محمد الخ) الدف والدفة بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء الجنب من كل شيء، ودفتا المصحف جانبا جلده المتضمن له ونحوه وهو أيضاً لم ينص على نفي، وإثبات تأدّيا وان كان المراد قرآنيتها، والمراد المصاحف العثمانية القديمة المتداولة، فلا يرد كتابة القنوت في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه. فإدط قلت: ما بين دفتي المصحف صور الألفاظ ونقوشها وكلام الله إمّا لفظيّ أو نفسيّ فما وجه إطلاقه عليها.
قلت: في المواقف أنّ الكلام يطلق بالاشتراك عليها وعلى صور الألفاظ، والصور دلائل
ألفاظ القرآن، ولشذة الامتزاج يقال لها قرآن انتهى وأورد عليه أنه كلام متناقض، لأنّ قوله بالاشتراك يقتضي أنه حقيقة، وقوله لشدة الامتزاج يدل على أنه مجاز، وهو من إطلاق الدال على مدلوله، وفي قوله لشذة الامتزاج تسامح ظاهر، ورذ بأنه لا منافاة لأنه مجاز بالعلاقة المذكورة شاع فصار حقيقة عرفية، ولما قال محمد: هذا قيل له لم نسرّ بها فلم يجب إشارة إلى أنه أمر تعبدي لا ينبغي الخوض فيه، وما قيل في توجيهه من أنّ نزولها للفصل والتبرك ولا يلزم أن يثبت لها سائر أحكام القرآن، أو هي لقوّة الشبهة في قرآنيتها في أوائل السور ألحقت بالأذكار، والأصل فيها استحباب الإسرار فسكوت محمد رحمه الله أبلغ منه، فإنها كيف تكون للفصل، وهي في الابتداء، ولو قيل بالتبرك وحده، فهو لا يدري مع الإخفاء، والحاق القرآن بالأذكار فيه عبرة لأولى الأبصار فتدبر. قوله: النا أحاديث كثيرة الخ) أي يدل لنا، والأحاديث
جمع حديث لا أحدوثة على خلاف القياس والضمير لأصحاب المذهب الأوّل، وقد عرف اًن منهم من يقول بكونهم بعض آية من السور، وان لم يذكره المصنف، كما أنّ منهم من يقول بكونها آية من كل سورة وهم المذكورون على ما في الكشاف وشروحه. فمجموع الفريقين يستدل على المدعى الأعمّ المشترك بالحديثين على التوزيع أي من يقول بكونها آية من كل سورة يستدل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه على جزء دعواه وهو المعنى الأعم، ومن يقول بكونها بعض آية من السورة يستدل بحديث أم سلمة رضي الله عنها عليه، وما قيل. من أنّ الاستدلال على جزء المدعى بما ينافي الكل غير مستحسن خصوصا عند الحاجة إلى ارتكابه لا وجه له إذ عدم المنافاة ظاهر، وأما الإجماع والوفاق مع المبالغة في التجريد فلنمي مذهب المخالف إذ لا يلزم من كونها كلام الله بل من القرآن كونها من الفاتحة، ونقل عن المصنف هنا حاشية، وهي هذان الدليلان يدلان على أنها من القرآن


الصفحة التالية
Icon