وسمي به لاجتنانه واستتاره، وكذا كل ما تدور عليه هذه المادّة. قوله: (واللام فيه للجنس إلخ) هذا تلخيص لما في الكشاف من قوله، ولام التعريف فيه للجنس، ويجوز أن تكون للعهد والإشارة إلى الذين كفروا المارّ ذكرهم، كأنه قيل ومن هؤلاء من يقول وهم عبد الذ بن أبيّ وأصحابه، ومن كان في حالهم من أهل التصميم على النفاق، ونظير موقعه موقع القوم في قولك نزلت ببني فلان فلم يقروني والقوم لئأم، ومن في من يقول موصوفة كأنه قيل، ومن الناس ناس يقولون كذا كقوله ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ﴾ [الأحزاب: ٢٣] إن جعلت اللام للجنس وإن جعلتها للعهد فموصولة كقوله ومنهم الذين يؤذون النبيّ فإن قيل أيّ فائدة في الإخبار عمن يقول: بأنه من الناس أجيب بأنّ فائدته التنبيه على أنّ الصفات المذكورة تنافي الإنسانية، فيتعجب منها ومن كون المتصف بها منهم، وردّ بأنّ مثل هذا التركيب يجيء في مواضع لا يتأتى فيها مثل هذا الاعتبار فلا يقصد فيها ألاً الاخبار بأنّ من هذا الجنس طائفة متصفة بكذا كقوله ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ﴾ [الأحزاب: ٢٣] فالأولى أن يجعل مضمون الجار والمجرور مبتدأ على معنى، وبعض الناس أو بعض منهم من اتصف بما ذكر، فيكون مناط الفائدة تلك الأوصاف ولا استبعاد في وقوع الظرف بتأوّل معناه مبتدأ، ويرشدك إليه قول الحماسي:
منهم ليوث لاترام وبعضهم مما قمشت وضمّ حبل الحاطب
حيث قابل لفظة منهم بما هو مبتدأ، وهو لفظ بعضهم، وقوله تعالى ﴿مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ١١٠] وقد يقع الظرف فيه موقع المبتدأ بتقدير موصوف، كقوله تعالى ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ [الصفات: ١٦٤] فالقوم قدر والموصوف في الظرف الثاني، وجعلوه مبتدأ والظرف الأوّل خبرا، وعكسه أولى بحسب المعنى أي جمع منا دون ذلك، وما أحد منا إلاً له مقام معلوم لكن وقوع الاستعمال
على أنّ من الناس رجالاً كذا وكذا دون رجال يشهد لهم، وقد مرّ نبذ من هذا في قوله ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾.
(أقول) إذا أطبقوا على نصب ما بعد الظرف بعد دخول إنّ تعين كونه مبتدأ بلا تكلف لما
مرّ من جعل الحرف مبتدأ ميلاَ مع المعنى، وإن كان الرضي نقله عن العلامة، ولو كانت من بمعنى بعض كانت اسماً، ولم يقل به أحد من النحاة كما في غيره من الحروف فالأولى أن يقال إنّ بعض الناس كناية عن معنى مفيد مثل منحصر ومنقسم إذا وقع في محل التقسيم، ومثل معلوم لكنه يخفى ويستر لئلا يفتضحوا، وقد جنح إليه القائل انه تفصيل معنويّ لأنه تقدّم ذكر المؤمنين ثم ذكر الكافرين، ثم عقب بالمنافقين فصار نظير التفصيل اللفظي نحو ومن الناس من يعجبك قوله ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي﴾ [لقمان: ٦] فهو في قوّة تفصيل الناس إلى مؤمن وكافر ومنافق ولك أن تحمله على الثاني فالمعنى من يختفي من المنافقين معلوم لنا ولولا أنّ من الكرم الستر عليه فضحناه فيكون مفيدا وملوّحا إلى تهديدمّ وقد أبرز هذا القائل:
وأقول بعض الناس عنك كناية خوف الوشاة وأنت كلى الناس
والتبعيض يكون للتعظيم وللتحقير وللتقليل وللتكثير، ولذا قيل المراد بكونهم من الناس
أنهم لا صفة لهم تميزهم سوى صورة الإنسانية أو المراد أنّ تلك تنافي الإنسانية كما مرّ، وأمّا ما استشهدوا به، فلا دليل فيه لأنّ قوله ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ﴾ ليس مما نحن فيه لأنّ شهادة الله للصادقين بالإيمان مفيدة، وليست كجعلهم من الناس وكذا بيت الحماسة والآية أمّا البيت، فلأنه يريد أنّ الأسود المعروفون بالجراءة من الرجال مع أنّ بعضهم كالهشيم المحتطب، وكذا الآية لما قال: إنّ المؤمنين المتقين قليل منهم من صدق وقع في الذهن التردّد في أكثرهم فبينه وصياتي لهذا تتمة، وأمّا تقديرهم الموصوف في الظرف الثاني، فلأنه إنما يقام مقام موصوفه إذا كان بعض اسم مجرور بمن أوفى قبله قال في التسهيل يقام النعت مقام المنعوت بظرف أو جملة بشرط كون المنعوت نعض ما قبله من مجرور بمن، أو في وإذا لم يكن كذلك لم يقم الظرف والجملة مقامه الآ في الشعر، فلا حاجة لما قيل من أنّ مناط الفائدة البعضية، وردّه بأنّ البعضية أوضح من أن يفيد الاخبار بها أو أنّ مناطها الوجود أي أنهم موجودون بينهم، أو أنهم من الناس لا من الجن لأنّ النفاق لا يكون منهم، أو المراد بالناس المسلمون، لأنه حيث ورد يراد به ذلك، والمعنى أنهم يعدونهم مسلمين أو أنهم