بخار لطيف في تجويفه الأيسر وتسميه الأطباء بالروح الحيوافي، وهو الطف ما في البدن وأكثره مناسبة للروح المجردة. وقوله: (أو متعلقه) بناء على أنّ المراد بالروح الجوهر المجرّد المتعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرّف، فإنه مما يطلق على الروح أيضا كما صرحوا به، ففي كلامه شبه استخدام وقد اختلفوا في أوّل ما يتعلق به النفس الناطقة هل هو القلب أو الدماغ، ورجح ابن سينا الأوّل وتبعه المصنف رحمه الله. قوله: (وللدم إلخ) ومنه قولهم لا نفس له سائلة أي دم يجري وتسميته لما ذكر، والقوام بالكسر ما به يقوم ويبقى والنفس تؤنث بمعنى الروح وتذكر بمعنى الشخص كما في المصباح. وقوله: (وللماء إلخ) هذا مما تبع فيه الزمخشريّ، وهو إمام يقتدى به إلا أنّ ابن الصائغ رحمه الله أشار في حاشيته على الكشاف إلى أنه لم يوجد في كتب اللغة والذي فيها النفس بفتحتين كما نقله كراع، واستشهد له بما ثبت في كلامهم، وفي الصحاح النفس الجرعة قال جرير:
تعلل وهي ساغبة بنيها بأنفاس من الشبم القراج
وترك ما في الكشاف من الاستشهاد عليه بقوله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾
[الأنبياء: ٣٠] لأنه لا يثبت المدعى وأنما يؤيد التعليل. وقوله: (يؤامر نفسيه) بالتثنية أي يتردد بين رأيين له، فمؤامرة النفس كناية عن التردّد والمؤامرة المشاورة، كالائتمار لقبول بعضهم أمر بعض فيما يشير به عليه فأبدلت الهمزة واواً، وقد مرّ بيان العلاقة فيه. قوله: (والمراد بالأنفس إلخ) في الكشاف والمراد بالأنفس هنا ذواتهم والمعنى بمخادعتهم ذواتهم أن الخداع لاصق بهم لا يعدوهم ولا يتخطاهم إلى من سواهم، ويجوز أن يراد قلوبهم ودواعيهم وآراؤهم اهـ فإذا أريد بالأنفس الذوات كان المراد بالمخادعة أنّ خداعهم لا يتجاوزهم، ويرجحه أنه المعنى الحقيقيّ المتبادر ولا مانع يمنعه هنا، وأمّا إرادة الآخرين فيضعفها أنّ المتبادر من المخادعة أن تكون بين شخصين متغايرين حقيقة، وهذا فيه مغايرة لكنها غير حقيقية وفيه نظر، وقيل إنّ الأوّل ناظر إلى قوله دائرة الخداع إلخ. وما بعده إلى قوله أو أنهم إلخ.
وعدل عن قول الزمخشريّ قلوبهم إلى قوله أرواحهم، لأنه أظهر في المغايرة. وقد قال قدّس سرّه: إنه على الأوّل يتعين أن يراد بحصر خداعهم في ذواتهم قصر ضروه عليهم كما ني الجواب الأوّل، وعلى ما بعده ذكر القلوب تمهيدا لذكر الدواعي، والآراء لا أنه ونجه آخر، وإذا أريد بالأنفس الدواعي تعين الجوابان الأخيران، وكان اعتبار المشابهة أولى كما لا يخفى فبيان المراد بالأنفس تتمة للأجوبة.
(وفيه بحث الأنه لا مانع من جعل ذكر القلوب في كلام العلامة إشارة إلى وجه آخر لأنّ القلوب ينسب إليها الإدراك كما قال تعالى ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ [الحج: ٤٦] ويؤيده إبدال المصنف لها بالأرواح فما ذكره عدول عن الظاهر من غير داع.
(تنبيه) بقي للنفس هنا معان أخر لم يذكرها المصنف رحمه الله كالعين المصيبة والقوى الحيوانية الجامعة للصفات المذمومة المضادة للقوى العقلية، وباختلاف هذه الصفات والأحوال تسمى النفس تارة أمارة وتارة لوامة وتارة مطمئنة، وليست هذه نفوساً متغايرة كما سيأتي تحقيقه. قوله: (لا يحسون إلخ) يشير إلى أنّ الشعور معناه الإدراك بالمشاعر، وهي الحواس الظاهرة في الأصل، وإن ورد بمعنى لا يعقلون مطلقاً إلا أنّ حمله على هذا أولى لأنه أصل معناه وأبلغ لأنّ عدم الشعوو بالمحسوس في غاية القبح لكون المحسوسات من البديهيات، ومن لا يشعر باله ديهيّ المحسوس مرتبته أدنى من مرتبة البهائم، فنفي الشعور يدلّ على التهكم بهم وعلى نفي العلم بالطريق الأولى فهو أبلغ من لا يعلمون هنا وأنسب بما مرّ من قوله ﴿خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ﴾ إلخ. وقوله: (لتمادي غفلتهم) من قولهم تمادى في الأمر إذا تمادّ فيه إلى الغاية جمما في الأساس، فتمادي الغفلة بمعنى امتدادها على ظاهره وحقيقتة، أو هو بمعنى تماديهنم في غفلتهم، فالتمادي من المدد وأصله تمادد كقصيت بمعنى قصصت، ويجوز أن يكون من المدى بدون إبدال. قوله: (جعل لحوق وبال الخداع إلخ) يشير به إلى المعنى الأوّل من معنى خداعهم لأنفسهم كما في الكشاف، واقتصر عليه لأنه الأرجح الأظهر وغيره يعلم بالمقايسة عليه أيضا، ولذا أمر الشريف رحمه الله بالتدبر فيه، وفيه إشارة إلى أنّ قوله ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ مرتبط بقوله ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم﴾