اتصفوا بمقابلاتها لشقوا، ولم يمكن إجراء ذلك في حق الكفار
لأنهم متصفون بتلك الصفات حقيقة بلا فرض. وتقدير وكذا الحال في صفات الكفرة وان كان له وجه أيضاً. قوله: (أقبل عليهم بالخطاب الخ) قد قدمنا لك أن الا أشفات الانتقال من إحدى الطرق الثلاث إلى آخر أو الإتيان بأحدها في مقام يقتضي خلافه، والكلام عليه مفصل في محله ولا يهمنا هذا الكلام فيه وإنما الكلام فيما قيل من أنّ هذا مبني على عدم الوثوق بما سيأتي عن علقمة أو على أنه لا يقتضي تخصيص الخطاب إذ لم يكن بمكة منافق حتى يدخل في هذا الخطاب، ثم إنها إن نزلت منفردة عما قبلها فكيف يتحقق فيها الالتفات إلا أن يقال يكفي فيه أنه يتمّ بعد تمام نزول القرآن لمصلحة اقتضت تفريق نزوله فإنّ دعوى انفرادها بالنزول مما لا وجه له حتى يتكلف له ما تكلف وكونه لم يكن بمكة منافق في بدء الإسلام لا ينافي الإخبار عنهم فكم في القرآن مثله من المغيبات والأخبار عما سيأتي، ثم إنه ذكر للالتفات نكات بعضها عامّ وبعضها خاص بهذا المقام فالأوّل هز السامع وأصل معناه التحريك بحركات متوالية ثم كني به عن إدخال المسرّة كما في قول ابن الرومي المتقدم:
ذهب الذين يهزهم مذاحهم هز الكماة عوالي المرّان
وهو المراد هنا، والتنشيط إيجاد النشاط وهو الخفة والسرعة أريد به الإقبال على الأمر وعطفه على ما قبله كالتفسير، والاهتمام بالعبادة مأخوذ من السياق والمقام لأنّ العظيم إذا أقبل على عبيده في شأن وأمر به بنفسه دل على عظمة ذلك الشأن، وقوله: بأمر العبادة تورية وحسن تعبير، وقوله: وجبر الكلفة العبادة الجبر التكميل والإرداف بما يهوّن الأمر الشاق أو يزيل مشقته لأنها على خلاف مقتضى الطبع، والكلفة المشقة واحدة الكاف كغرفة وغرف والتكاليف المشاق كما في المصباح وهذه من النكت انخاصة بالمقام وهذا بالنسبة إلى المؤمنين ظاهر فإمّا أن يخصوا لعدم الاعتداد بغيرهم وكذا التنشيط أو يقال يكفي للنكتة الوجود في البعض، وقيل إنه بالنسبة لغيرهم أيضا لتيقظهم لأنهم تحت حكم حاكم كريم لم يطردهم عن ساحة الهداية ولا يخفى بعده. قوله:) ويا حرف وضع الخ) هذا هو الصحيح وقيل إنها اسم فعل والأشهر أنها وضعت لنداء البعيد وقيل إنها لمطق النداء أو مشتركة بين البعيد والقريب والمتوسط وعلى الأوّل إذا نودي بها القريب فلتنزيله منزلة غيره أمّا العلوّ رتبة المنادى أو المنادي بالكسر والفتح وقول المصنف رحمه الله ينادى بها القريب يصح فيه فتح الدال وكسرها، وقول الداعي يا رلث يصلح للأول والثاني لأنه لحقارته وعظمة خالقه عد نفسه بعيدا أو عذ الله علياً عن عباد. وغفلة السامع وسوء فهمه بمنزلة بعده، وأمّا للاعتناء بأمر المدعوّ له وزيادة الحث عليه لأنّ نداء البعيد وتكلفه الحضور لأمر يقتضي الاعتناء والحث فاستعمل في لازم معناه على أنه مجاز مرسل أو استعارة تبعية في يا أو مكنية وتخييلية كما حققه بعض الفضلاء، فإن قلت الكلام في تنزيل المنادى منزلة البعيد لا المدعوّ له المنادي لأجله قلت المدعوّ لتحصيل أمر بعيد يبعد عن
الذهاب إليه لتحصيله فهو بعيد مالاً وقوله في الانتصاف إنّ ما ذكر في توجيه البعد أمر إقنافي فإنّ الداعي يقول يا قريب غير بعيد ويا من هو أقرب من حبل الوريد فأين هذا من العباد في مقام البعد ليس بشيء فإنّ القرب في كلام المنادي باعتبار الحقيقة ونفس الأمر وهو لا ينافي الاستبعاد الاعتباري وليس هذا نظير قوله:
وكم قلت شوقاليتني كنت عنده وما قلت إجلالاً له ليته عندي
كما توهمه ابن الصائغ في حواشيه، والوريد عرق! في العنق واضافة الحبل له! كلجين الماء. قوله: (وهو) أي يا مع المنادى بالفتح جملة فالمنادى منصوب لفظاً أو تقديراً بأنادي وما في معناه أو بيا نفسها لقيامها مقامه قولان للنحاة وعلى الأوّل هو لازم الإضمار استغناء بظهور معناه مع قصد الإنشاء وليس المراد الإخبار بأن المتكلم ينادي ولذا ردّ على من قال إنه لا يجوز تقدير الفعل إذ لو قدر كانت الجملة خبرية لأن الفعل مقصود به الإنشاء، ولذا قال الرضي: تقديره بلفظ الماضي كدعوت وناديت أولى لأنه الأغلب في الإنشاء ولكونه إنشاء النداء سقط ما قيل من أنه لو كان ذلك الفعلى كدعوت مقدرا تمّ المعنى بدون