نجوماً) أي على التدريج بناء على الفرق بين الإنزال والتنزيل، واليه أشار في تفسير أنزل هنا بقوله: (جملة)، وقد مرّ أنّ بعضهم فسر التدريج بالتكثير الذي دل عليه فعل، وردّ بأنه إنما يدلّ عليه لو لم يكن للتعدية كما هنا، فإن نزل! لازم فلا يصح فيه ذلك، ومرّ جوابه.
وأمّا ردّ أبي حيان رحمه الله بأنه ورد في وصف القرآن نزل وأنزل فغير وارد، وقال الحلبيّ إنه يرى في كلام الزمخشريّ تناقضاً حيث قال: إنّ نزل يقتضي التنجيم، وأنزل يقتضي الإنزال الدفعيّ، وتجويزه أن يراد بالفرقان القرآن مع أنه قيل فيه أنزل قال ولا ينبغي أن يقال ذلك لأنه لم يقل إن أنزل للإنزال الدفعيّ.
وفي المغني يشكل على الزمخشرفي قوله تعالى: ﴿لولا نزل عليه القرآن﴾ [سورة الفرقان،
الآية: ٣٢] جملة واحدة فقرن نزل بكونه جملة، وقوله: وقد نزل عليكم في الكتاب.
وقال العراقي: إنّ القرآن أنزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا جملة واحدة، ومن
سماء الدنيا منجماً في ثلاث وعشرين سنة فيجوز أن يقال فيه نزل وأنزل، وأمّا بقية الكتب فلا يقال فيها إلا أنزل، وهذا أوجه وأظهر، وهذا فطير لم يخمر، وتخميره أن التدريج ليس هو التكثير بل الفعل شيئا فشيئا، كما في تسلل والألفاظ لا بدّ فيها من ذلك فصيغة نزل تدل عليه والإنزال مطلق، لكنه إذا قامت القرينة يراد بالتدريج التنجيم، وبالإنزال الذي قد قوبل به خلافه أو المطلق بحسب ما يقتضيه المقام إذا عرفت هذا فكل ما ذكر من عدم البصيرة، وضيق العطن
فافهم، وقد مرّ ما فيه مفصلاً. قوله: (بالعدل أو بالصدق الخ) قيل ليس في اللغة الحق بمعنى العدل، والحجج المحققة، ووصفه بالصدق باعتبار بعض أجزائه وهو الأخبار ويمكن أن يجعل باعتبار جميع أجزائه لاستلزام كل إنشاء خبرا وليس بشيء لأنه نص عليه أمام اللغة الراغب وعليه تعويل المصنف رحمه الله فيما مرجعه إلى اللغو، ومع قوله في أخباره كيف يتوهم السؤال بالإنشا آت، وما بين يديه ما تقدمه من الكتب كما مرّ تحقيقه، وهو في موضع الحال، وتقديره ملتبسا بالحق أو محقا. قوله: (واشتقاقهما من الورى والنجل الخ) الظاهر أنهما أعجميان لا عربيان وعلى القول بعربيتهما فأمر الاشتقاق والوزن ظاهر وعلى الأوّل فلا معنى له على الحقيقة لأنه إمّا أن يشتق من ألفاظ أخر أعجمية ولا مجال لإثباته، أو من ألفاظ عربية فهو استنتاج للضبّ من الحوت، ولذا عده المصنف رحمه الله تعسفا، فلم يبق إلا بعد التعريب اجروه مجرى أبنيتهم في الزيادة، والأصالة وفرضوا له أصلا ليتعرّف ذلك، وقد نقل هذا عن بعض المتقدمين، ومثله ما مرّ في طالوت، فمن قال: إنه فقول عن البصريين والكوفيين لم يات بشيء، وعلى هذا الأخير فالتوراة قيل إنها من ورى الزناد يرى إذا قدح فظهر منه النار لأنها ضياء ونور تجلو ظلمة الضلال، وقيل: إنها من ورّى أي عرّض لأنّ فيها رموزا كثيرة، وقوله: ووزنهما بتفعلة بفتح العين عند بعض الكوفيين، وبكسرها عند الفرّاء لكن فتحت وقلبت ياؤها ألفا للتخفيف كما قالوا: في توصية وتوصاة وهي لغة لبعض العرب، وعند الخليل وسيبويه فوعلة، والأصل وورية فأبدلت الواو تاء، وقوله: والنجل بفتح فسكون هو الماء الذي ينز في الأرض، ومنه: النجيل لما ينبت فيه، ويطلق على الوالد والولد، وهو أعرف فهو ضد كما قاله للزجاجيّ: وهو من نجل بمعنى ظهر سمي به إمّا لاستخراجه من اللوح المحفوظ، وظهوره منه أو من التوراة، وقيل إنه من التناجل، وهو التنازع لكثرة النزاع فيه، وقيل: من النجل بمعنى الوسع لتوسيعه ما ضيق في التوراة، وقوله: لأنهما أعجميان قد عرفت وجهه وتوجيهه، وما قيل: إنّ الدليل على عربيتهما دخول اللام لأنّ دخولها في الأعلام الأعجمية محل نظر لا وجه له لأنهم ألزموا بعض الأعلام العجمية الألف واللام علامة للتعريب كما في الإسكندرية فإن أبا زكريا التبريزيّ قال: إنه لا يستعمل بدونها مع أنه لا خلاف في أعجميته حتى لحن من استعمله بدونها وافعيل بالكسر كثير، وأمّا بافتح فليس من أبنية العرب. قوله:) على العموم إن قلنا إنا متعبدون) بفتح الباء من تعبد الله الخلق بمعنى استعبدهم أي مأمورون
بشرائع من قبلنا، وجوّز العلامة في شرح الكشاف كسرها من التعبد بمعنى التنسك، وإنما عبروا بالتعبد لأنه إذا أطلق أريد منه العمليات إذ لا خلاف في الاعتقاديات بين الشرائع، ومن لم يتنبه لهذا قال: يعني الناس مستغرق على