إنه منطوق على الوجه الأخير لأنّ معنى كونه ديانة مشروع اللهمّ
إلا أن يريد ما يقتضيه قوله فإن طين لكم المؤيد بالأمر. قوله: (الضمير للصداق الخ الما كان الظاهر منها لرجوعه إلى الصدقات أوّله بأنّ الصدقات بمعنى الصداق لصدقه على القليل، والكثير أو أنه عائد على الصداق الدّي في ضمن الجمع لأنّ المعنى آتوا كل واحدة منهن صداقاً أو أنّ الضمير راجع لما قبله باعتبار أنه وضحع موضع اسم الإشارة أي ذلك فلذا أفرد وذكر وهو في اسم الإشارة كثير لأنّ الإشارة إلى أمور متعددة دفعة واحدة كثيرة فلذا نزل الضمير منزلته فلا يقال إنه تطويل للمسافة فليجعل الضمير مؤوّلاً بما ذكر ابتداء، ولذا قال: رؤبة ذلك وهو من أهل اللسان فلا وجه لما قيل إنّ قول رؤبة لا يدل على ما ذكر لجواز أن يريد أنّ الضمير مؤوّل كما يؤوّل اسم الإشارة مع أنه لا يعلم من كلامهم وجهه والنكتة فيه فلا بدّ من بيانه والبيت:
فيها خطوط من سواد دويلق كأنه في الجلد توليع البهق
وهو من أرجوزة له والتوليع تلميع البلق على اسنطالة وذكر قول رؤبة في جواب السائل
له هلا قلت كأنها أو كأنهما، وإنما ذكره ليتعين التوجيه إذ لولاه احتمل أن يكون ذلك لرعاية الخبر، وقوله: ولذلك وحد يعني أنّ التمييز كما قاله النحاة: حقه مطابقة المميز وهو هنا جمع وتوضيحه إنّ التمييز إن اتحد معناه بالمميز وجبت المطابقة نحو كرم الزيدون رجالاً كالصفة والخبر والحال دمالا فإن كان مفرداً غير متعدد وجب إفراده نحو كرم بنو فلان أبا إذ المراد أن أصلهم واحد متصف بالكرم فإن تعدد، وألبس وجب خلفه بظاهر نحو كرم الزيدون آباء إذا أريد أن لكل منهم أبا كريما إذ لو أفرد توهم أنهم من أب واحد والغرض خلافه وإن لم يلبس جاز الأمران، ومصححه عدم الإلباس كما هنا فإنه لا يتوهم أن لهن نفساً واحدة ومرجحه أنه الأصل مع خفته ومطابقته لضمير منه، وهو اسم جنس والغرض هنا بيانه والواحد يدل عليه كقولك عشرون درهما، وما قيل إنه مخالف لقول ابن الحاجب إنّ التمييز إن لم يكن اسم جنس ويراد نفس المنتصب عنه يطابقه لا محالة فيجب تقييد كلامه بأنه إذا لم يقصد به بيان الجنس، وهو وهم منه فإنّ النفس ليس المراد بها الذات حتى يكون عين ما قبله، والذي أوقعته في الغلط لفظ نفس المشتركة وقيل إنّ فائدة التمييز الإشارة إلى أنه لا اعتداد بهبة الأولياء. قوله: (والمعنى فإن وهبن لكم الخ) يعني لما كان لا بد من طيب النفس جعل مبتدأ وركنا من
الكلام للدلالة على ذلك ولو قيل عن طيب لوقع فضله وقوله: وعداه بعن يعني أصله أن يتعدى بالباء كقوله:
وما كان نفسا بالفراق تطيب
لأنه ضممن معنى التجافي، والتباعد فوصل بصلته فإن قلت الصواب أن يقتصر على التجافي متعد بنفسه ولا يتعدى بعن إلا إذا كان بمعنى المغفرة نحو تجاوز الله عن سيئاته قلت إمّا أن يكون مقصوده أنه ضمن معنى التجافي فقط، والتجاوز بيان لمعناه أو كون التجاوز لا يتعدّى بعن مطلقا غير مسلم عنده، ولذا استعمله كثير من الفضلاء متعديا بها مطلقا، وقد صرح به الإمام التبريزي في شرح ديوان أبي تمام، وقوله: بعثا لهن على تقليل الموهوب هو يفهم من شيء، ومن كونه من الصداق لا كله حتى نقل عن الليث رحمه الله أنه لا يجوز تبرعها إلا باليسير ولا فرق بين المقبوض وما في الذمة إلا أن الأوّل هبة والثاني إبراء، ولذلك تعامل الناس على التعويض فيه ليرتفع الخلاف. قوله: (فخذوه وأنفقوه) يعني أنّ الأكل عبارة عن التملك كما مرّ، وفي نصب هنيئا مريئا وجوه أحدها أنه صفة مصدر محذوف أي أكلا هنيئا، الثاني أنه منصوب على الحال من فاعل كلوه أي مهنا سهلاً، الثالث أنه حال منصوب بفعل مقدر محذوف وجوبا كقولك أقائماً، وقد قعد الناس وقال الزمخشريّ: قد يوقف على فكلوه، ويبتدأ هنيئا مريئا على الدعاء، وعلى أنهما صفتان أقيمتا مقام مصدرين أي هنأ مرأ ورد بأنه تحريف لكلام النحاة فإنّ المصادر الدعائية كسفياً ورعيا لا ترفع الظاهر، وهذا قد رفعه في قول كثير:
هنيئا مريئا غيرداء مخامر
فإن غير فاعله ورد بأن سيبويه، قال: هنيئا مريئا صفتان نصبهما نصب المصادر المدعوّ
بها بالفعل غير المستعمل


الصفحة التالية
Icon