تقدير، ومعهود على آخر، وفيه أنه للاستغراق على كل تقدير إذ لا خلاف في أن الكتابين أخبرا عن نبوّة محمد ﷺ فهما هدى للناس جميعاً، وبأن أصول الكتابين لم تنسخ بكتابنا فنحن متعبدون بهما. قوله: (يريد به جنس الكتب الخ) الضمير في قوله ليعمّ لذلك المذكور أو للذكر، وسائر بمعنى الباقي أو بمعنى الجميع عند من جوّزه، وأعاد أنزل لئلا يتوهم أن المعنى وللفرقان، وعلى هذا فهو من ذكر العامّ بعد الخاص للتتميم، ولكونه بوصف آخر لا تكرار فيه. قوله: (أو الزبور أو القرآن الخ) اختار الإمام الوجه الأخير لأنّ التكرار خلاف الظاهر ولأن الزبور مواعظ فليس فيه ما يفرق بين الحق، والباطل من الأحكام، وأجيب بأنه لا تكرار لتنزيل تغاير الوصف منزلة تغاير الذات أو أنه تنزيل تدريجي، وانزال دفعيّ، وكان الظاهر تقديمه لكنه أخر لأن الانتفاع لنا بالأوّل أظهر، وأنّ المواعظ لما فيها من الزجر والترغيب فارقة أيضا، ولخفاء الفرق فيها خصت بالتوصيف به، وأورد عليه أن ذكر الوصف دون الموصوف يقتضي شهرته به حتى تغني عن ذكر موصوفه، والخفاء إنما يقتضي إثبات الوصف دون التعبير به، وقوله بما هو نعت له ليس المراد به النعت المصطلح بل الصفة مطلقاً لأن الكتب السماوية كلها فارقة بين الحق والباطل، فأعادته بذلك العنوان، وتخصيصه إشارة إلى أنه الكامل فيه لكونه بمعناه، ولفظه المعجز، ولو أجرى عليه لم يكن بهذه المنزلة.
وفي بعض النسخ وعن محمد بن جعفر بن الزبير قال الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام وغيره قال ابن جرير رحمه الله: وهذا القول أولى لأن صدر السورة نزل في محاجة النصارى للنبيّ ﷺ في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (من كتبه المنزلة وغيرها) إشارة إلى أن الإضافة ليست للعهد وقوله بسبب كفرهم إشارة إلى أن التعليق بالموصول الذي هو في حكم المشتق يشعر بالعلية، وهو معنى تضمنه الرط، وترك فيه الفاء لظهوره فهو أبلغ إذا اقتضاه المقام، والعذاب الذي في مقابلة الكفر أو الشديد مخصوص بهم فلذا قدّم لهم فلا ينافيه تعذيب عصاة الموحدين. قوله:) غالب
لا يمنع الخ) فسره به لأنه من شأن العزيز، وبه يتمّ الارتباط بما قبله، وقوله: لا يقدر على مثله منتقم أخذ المبالغة من التعبير بذي فإنه لا يقال صاحب سيف إلا لمن يكثر القتل لا لمن معه السيف مطلقاً مع ما فيه من التنوين المفيد للتعظيم، والإبهام ومنه يعلم أنّ ذا الإحسان أبلغ من محسن، ولذا عدل فيه عن المنهج المسلوك، وهو أخصر. قوله: (والنقمة عقوية المجرم (، وقيل: هي العقوبة البليغة وقيل: السطوة والانتصار والفعل منه نقم كعلم وضرب، وقيل: نقم عليه أنكر وانتقم عاقب، وتقرير التوحيد من لا إله إلا هو، والعمدة في إثبات النبوّة الوحي والكتب السماوية والزجر بالانتقام، والإعراض هو الكفر. قوله: (أي شيء كائن الخ) يصح قراءته بالتخفيف والتشديد، وقوله: كليا كان أو جزئيا ردّ على منكري العلم بالجزئيات كما بين في الكلام وقوله: إيمانا أو كفرا وقع في نسخة وكفرأ، وهو بمعناه وقوله: فعبر عنه بالسماء والأرض الخ يعني لأنهما العالم كله في النظر الظاهر، وجعله من إطلاق الجزء وارأدة الكل قيل: إنه ليس بسديد إذ لا يصح في كل جزء وكل بناء على اشتراط التركيب الحقيقي وزوال ذلك الكل بزوال ذلك الجزء كما في التلويح، وهو مما اختلف فيه فهو عنده كناية لا مجاز. وقوله: ما اقترف أي اكتسبه العباد من المعاصي فإنه فيها وجعله كالدليل لأنّ العلم
يستلزم الحياة، ولم يقل دليلاَ لأن السياق إنما هو للوعيد والتحذير من عقاب من هو مطلع عليهم، وعبادته معطوف على نفسه عطف تفسير، واختلاف الصور مأخوذ من عموم كيف يشاء، والتصوير من جملة تدبيرهم، والقيام بامرهم واتقان الفعل يدل على العلم كما مرّ. توله:) اي صوّركم لنفسه وعبادته) أي ليس المراد بالتصوّر قيام الصورة بالذهن، وهذا المعنى يؤخذ من صيغة التفعل كما في الكشاف يقال: أثلث مالاً إذا جعلته أثلة أي أصلاً وتأثلته إذا أثلته لنفسك، ومنه تبناه اتخذه ابنا له، وباب تفعل يجيء للاتخاذ نحو توسدت التراب أي اتخذته وسادة لي فما قيل كأنه من تصوّرت الشيء بمعنى توهمت صورته فتصوّر لي توهم
محض. قوله: (إشارة إلى كمال قدرته الخ) لأنّ الغلبة تقتضي القدرة التامّة، وصيغة


الصفحة التالية
Icon