ومزالق الإقدام، وقد ترك المصنف رحمه الله تأويل الإيتاء بالحفظ، وقال في الإنصاف إنه أقوى لقوله بعد آيات: ﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ﴾ الخ فإنه يدل على أنّ الآية الأولى في الحض على حفظها لهم ليؤتوها عند بلوغهم ورشدهم، والثانية في الحض على الإيتاء الحقيقي عند حصول البلوغ والرشد، ويقويه أيضا قوله عقب الأولى: ﴿وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾ الخ فهذا كله تأديب للوصي ما دام المال في يده، وأما على التأويل الآخر فمؤدي الآيتين واحد، لكن الأولى مجملة والثانية مبينة لشرط. قوله: (ما روي أنّ رجلاَ من غطفان الخ) تتمته كما في الكشاف فدفع ماله إليه فقال صلى الله عليه وسلم: " ومن يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحل داره " يعني ج! هـ فلما قبض الفتى ماله أنفقته في سبيل الله فقال عليه الصلاة والسلام: " ثبت الآجر وبقي الوزر " قالوا: يا رسول الله قد عرفنا أنه ثبت الآجر فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله فقال: " ثبت أجر النلام وبقي الوزر على والده " وهذا رواه الثعلبي عن مقاتل والكلبي ووزر. بأنّ كسبه من غير حله أو منع حقوق الله: أو المراد بالوزر حسابه والأجر إنما يكون إذا لم يكن مغصوباً علم صاحبه، ووجه التأييد أنها نزلت في البلغ كما ترى ومو الوجه الأول. قوله: (ولا تستبدلوا الحرام من أموالها بالحلال من أموالكم الخ) يعني المراد بالخبيث
الحرام وبالطيب الحلال، لكن المراد على الأوّل لا تأكلوا ذلك الحرام الذي هو مال اليتيم مكان الحلال من أموالكم، فليس المراد في هذا الوجه أخذ مال اليتيم واعطاء ماله، بل أكل مال اليتيم، وترك ماله على حاله فالطيب حينئذ هو أكل ماله الذي تركه بحاله وفي الوجه الثاني هو حفظ مال اليتيم فاختلف الطيب والخبيث في الوجهين، فالتفعل بمعنى الاستفعال كالتعجل والاستعجال، قال الزمخشريّ: وهو غير عزيز والاختزال بإعجام الخاء والزاي الاقتطاع. قوله: (وقيل لا تأخذوا الرفبع من أموالهم وتعطوا الخسيس مكانها) وهذا تبديل، وليس بتبدل وفي الكشاف وقيل: هو أن يعطي رديئا ويأخذ جيداً وعن السدي أن يجعل شاة مهزولة مكان سمينة، وليس هذا بتبدل وإنما هو تبديل إلا أن يكارم صديقا له فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصبي، اص. وهذا المقام مما كثر فيه الكلام فهل الإبدال والتبدل والتبديل والاستبدال بينها فوق في المعنى، والاستعمال أم لا فقيل التبديل تغيير الشيء مع بقاء عينه، والإبدال رفع الشيء ووضمع غيره مكانه، فإذا استعملت بالباء دخلت على المتروك، وقيل: الباء تدخل على المأخوذ في التبديل، وحكي في الاستبدال خلاف، وقال المحلي إنها في الإبدال تدخل على المأخوذ في الاستعمال العرفي، وقال الدميري: في التبديل الباء تدخل على المتروك، لكن حكى الواحدي أنها تدخل على المأخوذ ويشهد له قوله الطفيل لما أسلم:
وبدل طالعي نحسي بسعدي
قال النحرير: وللتبديل استعمال آخر يتعذى إلى المفعولين بنفسه كقوله: ﴿يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [سورة الفرقان، الآية: ٧٠] والى المذهوب به المبدل منه بالباء كقوله: ﴿وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ﴾ [سورة سبأ، الآية: ٦ ا] وآخر يتعدى إلى مفعول واحد، نحو بدلت الشيء أي غيرته ومنه: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ﴾ [سورة البقرة، الآية: ٨١] وقال المدقق في الكشف أنّ حاصل الفرق أنه إذا قيل تبدل الكفر بالإيمان، أريد اتخذ الكفر بدله، فالمأخوذ هو ما عدى إليه الفعل بلا واسطة، وإذا قيل بدله به أريد غيره به، فالحاصل ما أفضى إليه الفعل بالباء، كما قال في تفسير قوله تعالى: ﴿لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ﴾ [سورة الأنعام، الآية: ١٥ ا] لا أحد يبدّل شيئا من ذلك بما هو أصدق، ونقل الأزهري عن ثعلب بدلت الخاتم بالحلقة إذا أذبته وجعلته حلقة، وبدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتماً، وأبدلت الخاتم بالحلقة إذا نحيت هذا وجعلت هذا مكانه، وحقيقته أنّ التبديل تغيير صورة إلى أخرى، والإبدال تنحيته فاتفقا على دخول الباء على الحاصل، عكس التبدل والاستبدال وعن المبرّد أنه استحسنه لما نقله إليه الزاهد وزاد عليه أنه يستعمل بمعنى الإبدال أيضا، ومنه يظهر أنّ من زعم أنّ التبديل أعم من التبدل لأن الثاني تغيير خاص، فقد وهم، فإن قلت فقد أعضل عليك قوله تعالى: ﴿وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ﴾ [سورة سبأ، الآية: ٦ ا] قلت الكلام فيما إذا كانت الباء صلة ثانية للفعل أما إذا تعدى بنفسه إلى العوضين كما في قوله تعالى:
﴿فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ [سورة الفرقان، الآية: ٧٠] أو إلى العوض وصاحبه كما في قوله: ﴿أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا﴾ [سورة الكهف، الآية: ٨١] فليس مما تحل فيه لا قضاء الفعل إلى الماخوذ بلا واسطة، وخروج الباء


الصفحة التالية
Icon