للقول وهو وإن كان مفردا في معنى الجملة لأنه الكلام الذي يعتذر به، والمعذرة في الأصل بمعنى العذر وهو التنصل من الذنب، وقال الأزهري إنه بمعنى الاعتذار، وهو على القولين الأوّلين ظاهر، وعلى الأخير قيل إنه من تلقى السائل بغير ما يترقب فهو من الأسلوب الحكيم، وقوله: إذ اليأس لا يحصل إلا بالهلاك أي اليأس المحقق فلا ينافي قوله: حتى أيسوا من اتعاظهم أو المراد حتى قاربوا اليأس كما يقال قد قامت الصلاة.
قوله: (تركوا ترك الناسي) يعني أنه مجاز عن الترك والظاهر منه أنه استعارة شبه الترك بالنسيان والجامع بينهما عدم المبالاة به أو هو مجاز مرسل لعلاقة السببية، ولم يحمل على ظاهره لأنه غير واقع ولأنه لا يؤاخذ بالنسيان ولأن الترك عن عمد هو الذي يترتب عليه إنجاء الناهين إذ لم يمتثلوا أمرهم بخلاف ما لو نسوه فإنه كان يلزم تذكيرهم، وما موصولة وجوّز فيها
المصدرية وهو خلاف الظاهر. قوله: (فعيل من بؤس الخ) البؤس والبأس والبأساء الشدة والمكروه إلا أنّ البؤس في الفقر والحرب أكثر والبأس والبأساء في النكاية قاله الراغب: وفيه قراآت بلغت ستاً وعشرين فمنها بئيس بالهمز على وزن فعيل ومعناه شديد فهو وصف أو مصدر كالنكير وصف به، ومنها بيئس بفتح الباء وسكون الياء التحتية المثناة والهمزة المفتوحة كضيغم وصيقل وهو من الأوزان التي تكون في الصفات والأسماء والياء إذا زيدت في المصدر هكذا تصيره اسما أو صفة كصقل وصيقل كما قاله المرزوقي: وعينه مفتوحة في الصحيح مكسورة في المعتل كسيد، ولذا قالوا في قراءة عاصم، وفي رواية عنه بكسر الهمزة إنها ضعيفة رواية ودراية ويحققها أن المهموز أخو المعتل. قوله: (وابن عامر بئس الخ) فأصله بئس بباء مفتوحة وهمزة مكسورة كحذر فسكن للتخفيف كما قالوا في كبد كبد وفي كلمة كلمة وقراءة نافع رحمه الله مخرجة على ذلك إلا أنه قلب الهمزة ياء لسكونها، وانكسار ما قبلها أو هذان القراءتان مخرجتان على أن أصلها بئس التي هي فعل ذم جعلت اسماً كما في قيل وقال: والمعنى عذاب مذموم مكروه، وقوله: كما قرىء الخ أي قرىء به بالكسر على الأصل وقوله أو على إنه راجع للقراءتين لا للثانية فقط وكان الظاهر جعله اسما فوصف به كما قيل وفيه نظر. قوله: (وقرىء بيس كريس) هذه قراءة نصر بن عاصم ولهما تخريجان أحدهما أنها من البوس بالواو وأصلها بيوس كميوت فاعل أعلاله، والثاني ما ذكره المصنف رحمه الله ورش! ككيس سيد القوم ولذا يطلقه الناس على صاحب السفينة وأصله على ما قاله رشس لا رئيس كما يتبادر إلى الذهن لأنّ إعلاله أقيس وباض بزنة اسم الفاعل أي ذو بأس وشدة وقوله بسبب فسقهم إشارة إلى أنّ ما مصدرية فالفسق كما أنه سبب للابتلاء سبب للهلاك إذا أصر عليه، أو المراد به إصرارهم على فسقهم أو مخالفتهم الأمر وعدم امتثال النصح. قوله: (تكبروا عن ترك ما نهوا عنه الخ) قدر المضاف أعني ترك إذا التكبر والإباء عن نفس المنهى عته لا يذم كما في قوله: ﴿وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ أي عن امتثاله وهو مثال لتقدير المضاف مطلقا لاقتضاء المعنى له مع المناسبة بين الأمر والنهي وان لم تكن مقصودة بالذات. قوله: (كقوله إنما قولنا لشيء الخ) تقدم تفسيرها في البقرة، وخسأ الكلب كمنع طرده والكلب بعد، وقوله إنما قولنا الخ سيأتي في تفسير سورة
النحل يعني أنّ الأمر تكويني لا تكليفي لأنه ليس في وسعهم حتى يؤمروا به وفي الكلام استعارة تخييلية شبه تأثير قدرته تعالى في المراد من غير توقف، ومن غير مزاولة عمل واستعمال آلة بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور به من غير توقف وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله وسيأتي تحقيقه إن شاء الله. توله: (والظاهر يقتضي أنّ الله تعالى الخ) أي أوقع لهم نكالاً في الدنيا غير المسخ لكنه لم يبين وهذا يناسب أن لا يقيد العذاب الشديد بقوله في الآخرة كما نبهناك عليه، وقوله: (ويجورّ الخ) فيكون العذاب البئيس هو المسخ، وهذه الآية تفصيل لما قبلها، وقوله مطروق أي جعل طريقاً يدخل منه وأنسباء كاصدقاء جمع نسيب وهو القريب ومسخ القلوب أن لا يوفقوا الفهم الحق. قوله: (أي اعلم الخ) معنى تأذن تفعل من الإذن وهو بمعنى آذن أي أعلم والتفعل يجيء بمعنى الأفعال كالتوعد والإبعاد. قوله: (أو عزم لأنّ العازم الخ) يعني أنه عبر به عن العزم لأنّ العازم على الأمر يشاور نفسه في الفعل