السماء على خلق الأرض كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [سورة البلد، الآية: ١٧] أو هي لترتيب الأخبار، ولا بد لهذا من تتمة من الوجه الأوّل، وفي الكشاف لا تناقض فيه لأن جرم الأرض تقدم خلقه خلق السماوات فأما دحوها وبسطها فمتأخر وعن الحسن البصري خلق الله الأرض! في موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليها دخان وذلك قوله تعالى: ﴿كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [سورة الأنبياء، الآية: ٣٠] وهو الالتزاق انتهى واعترض عليه الإمام بأنّ الأرض جسم عظيم فامتنع انفكاك خلقها عن دحوها فإذا كان الدحو متأخراً عن خلق السماء كان خلق الأرض! أيضا كذلك وأجيب بالمنع لجواز أن يخلق الجسم صغيراً مندمج الأجزاء، ثم يبسط على مقدار ما يراد، وقال القاضي كغيره لا يندفع التناقض على تقدير كون، ثم للتراخي في الوقت في البقرة إلا أن يقدر لنصب الأرض! فعل آخر دل عليه أأنتم أشدّ خلقا مثل تعرف الأرض، وتدبر أمرها بعد ذلك وليستأنف بقوله دحاها لكنه خلاف الظاهر، ويمكن أن يدفع التناقض بأن معنى خلق قدر وأراد وقصد فلا تناقض، وأورد عليه أنّ قوله: ﴿خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً﴾ [سورة البقرة، الآية: ٢٩] بيان نعمة أخرى مترتبة على نعمة سابقة، وهو خلقهم أحياء قادرين وهذه النعمة الأخرى إيجاد ما يتوقف عليه البقاء، ويتم المعاس، ولا يحسن عدّ القصد والتقدير نعمة أخرى، وفيه تأمّل وقد مر تفصيله في سورة البقرة. قوله: (والفرق بين خلق وجعل الذي له مفعول واحد الخ) جعل الزمخشري هذا الفرق بين الخلق، والجعل مطلقاً
سواء تعدى لواحد أو لاثنين، والمصنف خالفه وخصه بالجعل المتعدي لواحد والتضمين في كلامه ليس هو المصطلح بأن يضمن فعل النقل ونحوه كما توهمه بعضهم، ورذه صاحب الكشف وفسره بكونه محصلاً من آخر كأنه كان في ضمنه، وقيل الجعل يدل على شيئين أحدهما في ضمن الآخر بأن يكون تابعا له، وقيل بأن يكون السابق يتضمن اللاحق بالقوّة لا الفعل فمعنى الجعل إخراج المعنى من القوّة إلى الفعل، وقيل هو جعل شيء في ضمن شيء بأن يحصل منه أو يصير إياه أو ينقل منه، أو إليه وبالجملة فيه اعتبار شيئين وارتباط بينهما، وفي الخلق معنى الإيجاد بقدر وتسوية، وقيل عليه إنّ التضمين بالمعنى المذكور لا يناسب الصور الثلاث الأول إلا بتكلف بعيد لا حاجة إليه والأولى أنّ جعل أعم من خلق لأنه لا يقال فيما ليس بمخلوق والخلق لا يقال فيما ليس بموجود ونحوه في الكشف، وفيه تأئل.
وأعلم أنّ التضمين لغة جعل شيء في ضمن شيء كالظرف والمظروف أو جعله ضامنا له وملتزما له، وهو قريب من الأوّل واقتصر المصنف رحمه الله على أحد قسمي الجعل فإن أراد أنه هو الواقع في النظم والمحتاج إلى الفرق وأن جرى في غيره فهو ظاهر، وإن أراد ما في الكشاف وأن الفرق لا يتأتى في المتعدي لمفعولين، أو لا يطرد فيه فعليه منع ظاهر قيلي ومن تعرّض لتصيير شيء شيئا وجعله من التضمين في بيان مراد المصنف رحمه الله فقد ضل سواء الطريق، ولك أن تجيب عنه بأنه الإنشاء فيه معنى التصيير في الجملة وكذا النقل فيه معنى ذلك أيضا وفي الكشف تحقيقه أن الجعل بمعنى النقل من الصيرورة، إلا أنه من صار إليه لا من صار كذا، انتهى وهما متقاربان نهايته أنه تسامح في الإتيان متعديا خصوصا إن قلنا بالاحتمال الأوّل في كلام المصنف والأمر فيه سهل وفي الكشف الفرق بين الخلق والجعل أنّ التضمين واجب في الثاني، وتضمين النقل مخصوص به والإنشاء مشترك والتصيير في نحو خلقناكم أزواجا محتمل. قوله: (تنبيهاً على أنهما لا يقومان بأنفسهما كما زعمت الثنوية الخ) من الثنوية من ذهب إلى أنّ فاعل الخير النور وفاعل الشر الظلمة وهما في معتقدهما جسمان قديمان سميعان بصيران وسموهما بذلك على طريق النقل، وأورد على هذا أمور، الأوّل أنهما حينئذ ليسا بالمعنى الحقيقي المتعارف فمدعاهم الفاسد يبطل بمجرّد هذا، الثاني أنّ الرد يحصل بكونهما محدثين بقطع النظر عما اعتبر في مفهوم الجعل، ولو أتى بالخلق بدله حصل المقصود، الثالث أنّ الجعل المتعدي لواحد لا يقتضي كونه غير قائم بنفسه ألا ترى إلى قوله: ﴿وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا﴾ [سورة النمل، الآية: ٨٠] ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا﴾ [سورة الرحمن، الآية: ٢٠] إلى غير ذلك من الآيات والشواهد اللهم إلا أن يقال الجعل بمعنى الصنع
والعمل، فإذا تعلق بالأجسام كان باعتبار ما فيها من الصنعة، والعمل فمتعلقه في الحقيقة ما لا يقوم بنفسه وإنّ المتعارف