والقراءة
الأخرى، ولا محذور في كون القراءة المتواترة أفصح من غيرها، وليس هذا مبنياً على مذهب الزمخشريّ من أن القراءة تكون برأي واجتهاد دون سماع منه صلى الله عليه وسلم، كما قيل وقوله لأنّ في صده مندوحة أي سعة عن التعدية بالهمزة، وجعله من صد صدود اللازم لأنّ تعدية صد بنفسه فصيحة كثيرة في الاستعمال مع أنّ هذه القراءة شاذة، وهي قراءة الحسن كما قاله المعرب. قوله: (ويبغون لها زيغاً الخ) قد فسره المصنف رحمه الله في أوّل هود بقوله يصفونها بالانحراف عن الحق، والصواب أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالردة وهذا وجه آخر، وهو أنهم يطلبون أن يروا فيها ما يكون عوجا قادحا فيها كقول من لم يصل إلى العنقود وليسوا بواجدين ذلك فلذا عقبه! وله أولئك في ضلال بعيد، والنكوب الانحراف والعدول، وقد أعرب الموصول بوجوه ظاهرة، وقد رذ أبو حيان رحمه الله كونه صفة للكافرين بالفصل بين الصفة والموصوف بأجنبيّ، وهو قوله من عذاب شديد وأنه يصير كقولك الدار لزيد الحسنة القرشي والتركيب الصحيح فيه أن يقال الدار الحسنة لزيد القرشي، وهو مبنيّ على أنّ قوله من عذاب شديد صفة وبل، وهو لم يذكره فهو إلزام له بما لا يلتزمه فيجوز أن يكون على هذا خبر مبتدأ محذوف، والجملة اعتراضية فلا يضر الفصل بها فتأمّل، وإذا كان مرفوعا على الذمّ فهو خبر مبتدأ أيضا، والفرق بينه، وبين الوجه الذي بعده أنه يعتبر أنه كان نعتاً فقطع بخلافه على الآخر، ولا يقدر فيه بئس الذين الخ كما توهم. قوله: (أي ضلوا عن الحق ووقعوا عنه بمراحل) يعني أنّ الضلال معنويّ بمعنى البعد عن الحق شبه بمن ضل في طريقه وبعد عن مقصده وبعيد ترشيح له، ولما كان من وضحع البعد على أن يوصف به المكان أو المكاني، وقد وصف به هنا الفعل نفسه بين المراد منه، وقوله في الحقيقة للضال بالنسبة إلى الضلال فلا ينافي أنه يوصف به المكان أيضاً وفعله يعني صفته، وهي الضلال، والمبالغة بجعل الضلال نفسه ضالاً فقد أسند فيه إلى المصدر ما هو لصاحبه مجازاً كجن جنونه وجد جذه، ولا يخفى ما فيه من المبالغة إلا أنّ الفرق بين ما نحن فيه وجد جذه أنه مصدر غير المسند وذاك مصدره، وليس بينا وقوله أو للأمر الذي به الضلال الباء للسببية أو الملابسة أي أمر بسببه أو ملابسته حصل الضلال يعني أنّ البعد في الحقيقة صفة للشخص باعتبار بعد مكانه عن مقصده وسبب بعده ضلاله لأنه لو لم يضل لم يبعد عنه فأسند ما للشخص إلى سبب اتصافه بما وصف به فيكون كقولك قتل فلانا عصيانه، والإسناد مجازيّ، وفيه المبالغة المذكورة أيضا، والمعنى بعد الضلال لكنه اعتبر في الثاني بيان سبب البعد دون الأوّل، وفي الكشاف هو من الإسناد
المجازي والبعد في الحقيقة للضال لأنه هو الذي يتباعد عن الطريق فوصف به فعله كما تقول جدّ جده، ويجوز أن يراد في ضلال ذي بعد أو فيه بعد لأنّ الضال قد يضل عن الطريق مكانا قريباً أو بعيدا قال المدقق: الإسناد المجازي على جعل البعد لصاحب الضلال لأنّ الضال الذي يتباعد عن طريق الصواب فوصف ضلاله بوصفه مبالغة، وليس معناه إبعادهم في الضلال، وتعمقهم فيه وأما قوله، ويجوز أن يراد في ضلال ذي بعد فعلى هذا البعد صفة للضلال حقيقة بمعنى بعد غوره، وأنه هاوية لا نهاية لها، وقوله أو فيه بعد على جعل الضلال مستقراً للبعد بمنزلة مكان بعيد عن الجادة، وهو معنى بعده في نفسه عن الحق لتضادهما، واليه الإشارة بقوله لأنّ الضال قد يضل عن الطريق مكانا بعيداً أو قريبا، والغرض بيان غاية التضاد، وأنه بعد لا يوازن وزانه، وعلى جميع التقادير البعد مستعار من البعد المسافي إلى تفاوت ما بين الحق، والباطل أو ما بين أهلهما، وذكر في سورة الحج أنه استعير الضلال البعيد من ضلال من أبعد في التيه ضالاً فطالت وبعدت مسافة ضلاله، ثم في قوله أولئك في ضلال دون ضالون ضلالاً بعيدا دلالة على تمكنهم فيه فاشتماله عليهم اشتمال المحيط على المحاط ليكون كناية بالغة في إثبات وصف الضلال فافهم. قوله: (الذي هو منهم وبعث فيهم) إشارة إلى أنّ اللسان ليس بمعنى العضو بل بمعنى اللغة فإنه يستعمل لكل منهما، ولا ينتقض الحصر بلوط عليه الصلاة والسلام فإنه تزوّج منهم، وسكن معهم، ولا بيونس عليه الصلاة والسلام فإنه من قومه الذين أرسل إليهم كما تالوه فلا حاجة إلى أنه هنا باعتبار الأكثر الأغلب، ولا يلزم من كون