فكفرتم من كفران النعم لمقابلته للشكر لا من الكفر مقابل الإيمان، وجوّز حمله عليه، وهو بعيد، وقوله ومن عادة أكرم الأكرمين الخ تصريح الوعد بقوله لأزيدنكم ظاهر، والتعريض بقوله: ﴿إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [سورة إبراهيم، الآية: ٧] دون أعذبكم أو عذابي لكم، وقيل إنه جار على عادته تعالى أيضاً في إسناده الخير للذات المقدس دون الشر وفيه نظر لأنّ عذابي مصدر مضاف لفاعله، والفرق بينه وبين صريح الإسناد محل نظر، وأكرم الأكرمين المراد به الله تعالى عبر به إشارة إلى أنّ التصريح، والتلويح المذكورين كرم منه تعالى، وليس المراد به كل من كان أكرم بناء على جواز إطلاقه على غير الله كما جوّزه بعضهم لبعده، وتكلفه، وكذا قوله فلعلي أعذبكم بصيغة الترجي الدالة على عدم القطع لمناسبته لكرمه، ورحمته لأنّ كفران النعم غير مستوجب للعذاب كغيره في عادته تعالى. قوله: (والجملة) أي قوله لئن شكرتم الخ إمّا مفعول قول مقدر منصوب على الحال سادّ معموله مسده أي قائلا أو مفعول تأذن لأنه في معنى القول على المذهبين المشهورين لنحاة البصرة والكوفة في أمثاله، وقوله من الثقلين خص العموم المستفاد من جميعا بهم لأنه غير متصوّر فيهم. قوله: (فما ضررثم بالكفران إلا أنفسكم حيث حرمتموها مزيد الأنعام) وفي نسخة عريتموها مزيد الأنعام وكان الظاهر من مزيد لكنه ضمنه معنى
حرمتموها فهما بمعنى، وهذا هو جواب الشرط في الحقيقة وما ذكر في النظم دليله، وقيل إنما ذكره المصنف رحمه الله تعالى لدفع توهم عود فائدة الشكر عليه والجواب تقديره لم يتضرر أو لم ينقص منه شيء، وما ذكر دليله فقول المصنف رحمه الله تعالى فما الخ تفريع على هذه الآية، وما قبلها لا تقدير للجواب لأنّ ضرر الكفران مستفاد مما تقدم، وانحصاره فيهم مفهوم من هذه الآية، ولا يخفى أن ما ذكره، وما قدره المعترض واحد لأنّ معنى ما ضررتم إلا أنفسكم أنّ نفعه، وضره عائد عليكم فلا يتضرر به الله فلا وجه لاعتراضه غير تكثير السواد بما لا محصل له. قوله: (من كلام موسى عليه الصلاة والسلام أو كلام مبتدأ من الله) فعلى الأوّل هو من مقول القول، وهو تذكير لبني إسرائيل بأحوال من تقدّمهم ليعتبروا بهم، وعلى الثاني هو ابتداء كلام من الله غير محكي مخاطبا به أمّة محمد صلى الله عليه وسلم، بعدما ذكر إرساله تخي! بالقرآن، وقص عليهم بعضا من قصص موسى عليه الصلاة والسلام. قوله: (جملة وقعت اعتراضا) أي جملة بتمامها من المبتدأ والخبر وقعت أعتراضا في الكلام تيل عليه ليس جملة اعتراضية لأنّ الاعتراض لا يكون إلا بين جزأين يطلب أحدهما الآخر، وكذا قوله لا يعلمهم إلا الله اعتراض يرد عليه ما ذكر، ومنع بأنّ بينهما ارتباطا يطلب به أحدهما الآخر لأنه يجوز أن تكون جملة جاءتهم حالاً بتقدير قد، والاعتراض يقع بين الحال، وصاحبها فليس ما ذكر مخالفا لكلام النحاة، ولو سلم أنها ليست بحالية فما ذكروه هنا على مصطلح أهل المعاني فإنهم لا يشترطون الشرط المذكور حتى جوّزوا أن يكون في آخر الكلام كما صرّج به ابن هشام في المغني مع أنّ جملة جاءتهم رسلهم الخ مفسرة للجملة الأولى فهي مرتبطة بها معنى، واشتراط الارتباط الإعرابي عند النحاة غير مسلم أيضاً فتأمل. قوله: (أو الذين من بعدهم عطف على ما قبله) يعني الموصول أو قوم نوج، وذكر مع دخوله في الذين من قبلكم لتفسيره بقوم نوج الخ، والثاني أوفق بالمعنى، والأوّل أوفق باللفظ، وقال الطيبي: هذا أحسن لحسن موقع الاعتراض إذ حسنه أن يؤكد ما اعترض! فيه وليس في الأوّل رائحة ذلك. قوله: (والمعنى أنهم لكثرتهم الخ) أي على الوجهين لكنه يختلف عليهما مرجع الضمير في أنهم ولكثرتهم، وعددهم فهو الموصول الثاني على الأوّل، ومجموع الموصولين على الثاني، ومعنى الاعتراض على الثاني ألم يأتكم أنباء الجم الغفير الذي لا يحصى كثرة فتعتبروا بها إنّ في ذلك لمعتبرا، وعلى الأوّل فهو ترق، ومعناه ألم يأتكم نبأ هؤلاء، ومن لا يحصى بعدهم كأنه يقول دع التفصيل فإنه لا مطمع فيه، وفيه لطف لإيهام الجمع بين الإجمال، والتفصيل، ولذا قدمه جار الله، وأيده بقول ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم فإنه فيه أظهر. قوله:) ولذلك قال ابن مسعود رضي الله
تعالى عنه كذب النسابون الأنهم يدعون علم الأنساب، وقد نفى الله علمها عن العباد


الصفحة التالية
Icon