لتلك الهبة، وفي ضمنها وليست مقصودة بالذات فلا دلالة فيهما على أنّ الأصل في البشارة أن تكون بواحد ويدفع بأنّ المعنى أنّ العادة الجارية بين الناس ذلك فيرسل الواحد للبشارة، والجمع لغيرها من حرب وأخذ ونحوه والله تعالى يجري الأمور للناس على ما اعتادوه فلا ترد قصة جبريل عليه الصلاة والسلام في ذلك وان قيل المراد من الملائكة في تلك الآية جبرائيل كما ذكره المفسرون كقولهم يركب الخيل، ويلبس الثياب أي الجنس من ذلك الصادق بالواحد كما مرّ تحقيقه في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام، وعلى ما ذكرناه لا حاجة إلى ما ذكره فإنه يعلم منه عدم وروده، وأما كون بشارة الواحد توجد في ضمن بشارة الجمع فلا تنافي فمما لا يليق التفوّه به.
قوله: (ولو كانت تمام القصة لابتدؤوا بها) قيل يخدشه قصة مريم قالت: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾ [سورة مريم، الآية: ١٨] قال إنما رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا فيجوز أن يكون قوله تعالى لا توجل تمهيدا للبشارة، ولا يخفى عدم وروده فإنها لنزاهة شأنها أوّل ما أبصرته تمثلاً عاجلته بالاستعاذة فلم تدعه يبتدىء بالبشارة بخلاف ما نحن فيه، وهذا ظاهر لمن تدبره. قوله: (إن كان استثناء من قوم كان منقطعاً إذ القوم مقيد الخ) كذا في الكشاف أيضاً لأنه مستثنى من موصوف مقيد بتلك الصفة فلو أدخلوا فيه لكانوا متصفين بالإجرام، وليس كذلك فتعين انقطاعه، وأمّا احتمال تغليبهم على غير المجرمين فليس مقتضى المقام ولو سلم، فالكلام بناء على كونه حقيقة، ولا ينافي صحة الاتصال على تقدير آخر، والعجب من بعض أرباب الحواشي أنه نقل عن بعض فضلاء عصره هنا اشكالاً اذعى أنه رفع
إلى ابن الهمام، ولم يجب عنه فنقله على أنه وارد غير مندفع مع اشكالات أخر يتعجب منها، وهو أنّ الضمير في الصفة هو عين الموصوف المقيد بالصفة فينبغي أن يكون الاستثناء منقطعا في الصورتين، وأطال فيه من غير طائل، وأظن ابن الهمام إنما سكت عن جوابه لوضوج اندفاعه، وإنه لا ينبغي أن يصدر عمن تحلى بجلية الفضل، ولكن ذلك من آفة الفهم:
وما آفة الاخبار إلا رواتها
ثم إنه قيل جعله على استثنائه من قوم مجرمين منقطعا أولى وأمكن، وذلك أنّ في استثنائهم من الضمير العائد على قوم منكرين بعداً من حيث إنّ موقع الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل المستثنى في حكم الأوّل، وهنا الدخول متعذر مع التكير، ولذلك فلما تجد النكرة يستثنى منها إلا في سياق نفي لأنها حينئذ تعمّ فيتحقق الدخول لولا الاستثناء، ومن ثمة لم يحسن رأيت قوما إلا زيدا، وحسن ما رأيت أحد إلا زيداً، ورد بأنه ليس نظير رأيت قوما إلا زيدا بل من قبل رأيت قوماً أساؤوا إلا زيداً فالوصف يعينهم فيجعلهم كالمحصورين على أنّ المراد بالقوم أهل القرية كما صرّح به في آية أخرى فهم معنى محصورون، ونقل المدقق عن السكاكيّ أنّ الاستثناء من جمع غير محصور جائز على المجاز. قوله:) وإن كان استثناء من الضمير في مجرمين كان متصلاَ (لأنه يعود على القوم بدون وصفهم بالاجرام، ولو عاد عليه مع وصفه لم يتأت إسناده إليه، وقد مرّ تحقيقه نقضا وابراما فإن قلت فلا يكون إلا امرأته مستثنى من آل لوط إذا استثنى من الضمير، وجعل قوله إنا لمنجوهم اعتراضاً قلت جعل الدلالة على ذلك كفعله فتأمّل. قوله: (والقوم والارسال شاملين للمجرمين الخ) أي على الاتصال يكون القوم شاملا للمجرمين وغيرهم بقطع النظر عن الصفة، وكذا الارسال بمعناه المطلق شامل لهما بخلاف على الأوّل فإنّ الارسال يختص بالقوم المجرمين لإخراج آل لوط منهم بالاستثناء فالمراد بالارسال أحد أنواعه، وهو ما كان لتعذيب، واهلاك لا انّ الارسال بمعنى الإهلاك كما توهمه بعض شرّاح الكشاف، وقوله لنهلك الخ إشارة إلى عموم الارسال وشموله لهما كما مرّ، وقوله مما يعذب به القوم قيل لم يقل من العذاب لأن الانجاء منه لا يحتاج إلى فعل فاعل لأنه على الأصل بخلاف انجائهم مما عذب به هؤلا من الخسف فإنه يفعل الله، واخراجه، وفيه نظر. قوله:) وهو استئناف إذا اتصل الاستثناء (لثمام الكلام عنده والاستئناف بياني كأنه قيل ما بالهم، وقوله جار مجرى خبر لكن الخ أي إذا كان استثناء منقطعا وجب نصبه إذ لا يمكن توجيه العامل إليه لأنهم لم يرسلوا إليهم كما مرّ إنما أرسلوا إلى المجرمين خاصة
فيكون قوله: ﴿إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ﴾ جاريا مجرى لكن في اتصاله معنى بآل لوط الواقع اسما للسكن فيكون في موضع رفع


الصفحة التالية
Icon