سبحانه وتعالى عما يشركون بما قبله بخلافه على العموم والاختصاص بالكفرة (قلت) كذا توهمه بعضهم وليس كذلك، فانه لما نهاهم عن الاستعجال ذكر ما يتضمن أنّ إنذاره، واخباره للتخويف، والإرشاد وأنّ قوله إنّ الساعة آتية إنما هو لذلك، فليستعد كل أحد لمعاده، ويشتغل قبل السفر بتهيئة زاده فلذا عقب بذلك دون عطف، وقد أشار المصنف رحمه الله تعالى إلى ارفإطه باعتبار ما بعده، فيكون ما ذكر مقدمة واستفتاحاً له، وأيضا فإنّ قوله تعالى أتى أمر الله
تنبيه وايقاظ لما يرد بعده من أدلة التوحيد فتدبر.
قوله: (بالوحي أو القرآن فإنه يحبا به القلوب الخ) في الكشاف الروح استعارة للوحي
الذي هو سبب الهداية ومن أمره بيان له فشبه الوحي مطلقا أو بعضه بالروح فإن كان بالنظر إلى الموحى إليهم فلأنه بتخليصهم من الجهالة والضلالة المشبهة بالموت كما قال تعالى: ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [سورة الأنعام، الآية: ٢٢ ا] فيه حياة لهم وان كان بالنظر إلى الدين فلأنه به قيامة، وقوامه كما تقوم الروح بالبدن فهو استعاوة مصرحة محققة لكنها تلزمها مكنية وتخييلية، وهي تشبيه الجهل والضلال بالموت، وضده بالحياة أو تشبيه الدين بإنسان ذي جسد وروج، كما إذا قلت رأيت بحراً يغترف الناس منه وشمساً يستضيؤون بها فإنه يتضمن تشبيه علمه بماء عذب ونور ساطع لكنه جاء من عرض فليس كاظفار المنية، وليس غير كونه استعارة مصرّحة كما توهم، وقد مرّ مثله في البقرة. (فإن قلت) قوله من أمره يخرج الروح من الاستعارة إلى التشبيه كما في قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [سورة البقرة، الآية: ١٨٧] (قلت) قالوا إنّ بينهما بونا بعيدا لأنّ نفس الفجر عين المشبه شبه بخيط، وليس مطلق الأمر بمعنى الشأن مشبها به، ولذا بينت به الروح الحقيقية في قوله تعالى: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ﴾ كما تبين به المجازية، ولو قيل: يلقي أمره الذي هو الروح لم يخرج عن الاستعارة فليس وزان من أمره وزان قوله من الفجر، وليس كل بيان مانعاً من الاستعارة، كما يتوهم من كلام المحقق في شرح التلخيص، فعليك بالتفقنزا له فإنه مما تزل فيه الأقدام، ولم يلتفتوا إلى جعل الروج هنا بمعنى جبرائيل الواقع في بعض التفاسير، وقوله: (فإنه الخ) إشارة إلى وجه الشبه على ما حققناه، وقرينة الاستعارة إبدال أن أنذروا منه. قوله: (وذكره عقيب ذلك إشارة إلى الطريق الذي به الخ) هو على وجوه الخطاب، وازاحة معطوف على قوله إشارة وقوله بالعلم الباء دخلت فيه على المقصور وقد مرّ بيانه، وقوله: وعته تنزل أصله تتنزل فحذفت إحدى التاءين. قوله: (بأمره أو من أجله) يعني من إما سببية أو تعليلية، والأمر واحد الأوامر ومن جعله واحد الأمور جعلها تبيينية وقد صرح به شراج الكشاف رحمهم الله تعالى أخذاً من كلامه فلا عبرة لمن أنكره، وقوله أن يتخذه رسولاً بيان لمفعول يشاء المقدر وقوله: ﴿أَنْ أَنذِرُواْ﴾ تفسير له بما يجري على بعض الوجوه وهو كون أن مصدرية منصوبة
المحل بعد حذف الجار أو مجرورة وكونه بدلاً من الروج، وكونها مخففة من الثقيلة لا تفسيرية وإذا كانت مخففة فاسمها ضمير شأن مقدر، والخبر أنذروا ولا يحتاج فيه إلى تقدير قول لأن خبر ضمير الشأن يكون أمراً من غير تأويل لأنه عينه كقولك كلامي اضرب كما حققه في الكشف. قوله: (من نذرت بكذا إذا علمته) تقدم تحقيقه وأنه ليس له مصدر صريح، وإذا دخلت عليه همزة التعدية صار بمعنى أعلمت ثم خص بإعلام ما يخاف منه، فوقع في مقابلة التبشير ومحصله حينئذ التخويف، فإما أن يكون على أصل معناه لتعلقه بقوله لا إله إلا أنا ولا تخويف فيه بحسب الظاهر أو يكون بمعنى التخويف، ولذا قيل إنه يدلّ على أنهم أثبتوا له تعالى شركاء، وهو يقتضي الانتقام منهم لا منا وهم نسبوا إليه ما لا يليق بجلاله فمن قال: الثابت في اللغة أن نذر بالشيء كفرح به علمه، فحذره وأنذره إذا أعلمه بما يحذره، وليس فيها مجيئه بمعنى التخويف، فأصله للاعلام مع التخويف فاستعملوه في كل من جزأي معنييه لم يأت بشيء يعتد به. قوله: (إنّ الشأن الخ (فالضمير للشأن وهو مفعول أنذروا بمعنى أعلموا دون تقدير جارّ فيه بخلاف ما إذا كان بمعنى التخويف، ومفعوله الأوّل عام فلذا لم يقدره، وعلى الثاني خاص بأهل الكفر والمعاصي محذوف كما أشار إليه، وهو يتعدى إلى الثاني بالباء فلذا قال بأنه. قوله: (وقوله فاتقون رجوع إلى مخاطبتهم) قيل: إنه لا يظهر لتخصيص كون


الصفحة التالية
Icon