لا يعرفها فهو لازم معناه المتقدم عليه، والقيام بحقها هو معنى الشكر، وهو شامل لما كان باللسان، والأركان والجنان. قوله: (ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر لأنه أقوى في باب الأنعام) إذ ركوب البحر مظنة الهلاك لأنهم كما قال عمرو رضي الله عنه دود على عود، وهو من كمال النعمة لقطع المسافة البعيدة في زمن يسير قريب مع عدم الاحتياج إلى الحل، والترحال كما في البر والحركة مع الاستراحة والسكون، ولله در القائل: وأنا لفي الدنيا كركب سفينة نظن وقوفا والزمان بنا يسري
وقد تقدم تحقيق الرواسي. قوله: (كراهة أن تميل بكم وتضطرب الخ) تقدم نظيره، وأنه بتقدير مضاف أي ككراهة وخوف أو بتقدير لئلا تميد. قوله: (وكان من حقها أن تتحرك
بالاستدارة) قيل لا وجه لهذا على مذهب أهل الحق، ولا على مذهب الفلاسفة أمّا الأوّل فلأنّ ذات الشيء لا تقتضي تحزكه، وإنما ذلك بإرادة الله تعالى، وأما الثاني فلأنّ الفلاسفة لم يقولوا إنّ حق الأرض أن تتحرّك بالاستدارة لأنّ في الأرض ميلاً مستقيماً، وما هو كذلك لا يكون فيه صيد وميل مستدير على ما ذكروا ير العلم الطبيعي، وأورد أيضاً على منع الجبال لها من الحركة أنه قد ثبت في الهندسة أنّ نسبة أعظم جبل في الأرض، وهو ما ارتفاعه فرسخان وثلث فرسخ إلى جميع الأرض نسبة خمس سبع عرض! شعيرة إلى كرة قطرها ذراع، ولا ريب في أنّ ذلك القدر من الشعيرة لا يخرج تلك الكرة عن الاستدارة بحيث يمنعها عن الحركة، وكذا حال الجبال بالنسبة إلى كرة الأرض فالصحيح أن يقال خلق الله الأرض مضطربة لحكمة لا يعلمها إلا هو، ثم أرساها بالجبال على جريان عادته في جعل الأشياء منوطة بالأسباب، وفيه أنه يرد عليه ما أورده، واعلم أنّ من أصحاب العلوم الرياضية من ذهب إلى أنّ الأرض متحرّكة على ما فصله في نهاية الإدراك مع ردّه، وأمّا كون الأرض ذات ميد وميل مستقيم فيمتنع أن تتحرّك على الاستدارة بالطبع فهو مبرهن في محله لكن قال الإمام الجمهور على أنه تعالى لما خلق الأرضى على وجه الماء اضطربت فخلق عليها هذه الجبال الثقال فاستقرت على وجه الماء بسبب ثقل هذه الجبال كما أنّ السفينة إذا ألقيت على وجه الماء تميل من جانب إلى جانب فإذا وضعت فيها الإجرام الثقيلة استوت على وجه الماء، واستقرّت، وهذا مشكل لأنه سطح الماء إن كان حيز الأرض الطبيعي وجب سكونها، واسنقرارها وان لم يكن حيزها الطبيعي، وهي أثقل من الماء فلا بد من غوصها في الماء فلم تبق على وجه الأرض مضطربة، وأجاب بأنّ الأرض كرة من حقها أن تتحرك بالاستدارة كالفلك أو تتحرك بأدنى سبب فلما خلقت عليها الجبال توجهت نحو مركز العالم بثقلها العظيم فكانت جارية مجرى الأوتاد التي منعت الأرض عن الاستدارة فمنعها الأرض عن الميد والاضطراب هو الذي منعها من الحركة المستديرة، وقد تبعه المصنف رحمه الله تعالى على عادته، وأنت إذا تأملته علمت أنّ ما اعترضوا به غيروا رد لأنها من حيث هي كريتها تقتضي الحركة المستديرة بالذات والميل المستقيم عارض! لها بالثقل فلا منافاة بينه وبين ما تقرّر في الطبيعي، وليس هذا محلاً يسع تحقيقه، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق. قوله: (ما هي بمقرّ أحد على ظهرها) مقرّ بفثح الميم اسم مكان من القرار والباء زائدة، وقيل إنّ الظاهر أنه يضمها اسم فاعل من الإقرار بمعنى جعل الشيء قاراً والتذكير باعتبار المكان، ولا داعي له. قوله: (وجعل فيها أنهار الخ الما كان الإلقاء بمعنى الطرح لا تتصف به الأنهار أشار إلى تسلطه عليه باعتبار ما فيه من معنى الجعل والخلق أو تضمينه إياه
ويجوز أن يقدر له فعل لأنه على حدّ قوله:
علفتها تبناً وماء باردا
وقد جوّزوا فيه ذلك لكن المصنف رحمه الله تعالى اختار هذا لأن التقرير خلاف الظاهر. قوله: (لمقاصدكم) هذا بناء على الظاهر من أنه تعليل لقوله سبلاً، وقوله أو إلى معرفة الله على أنه تعليل لجميع ما قبله لأنّ تلك الآثار العظام تدل على فاعل حكيم عظيم ففي قوله تهتدون تورية حينئذ. قوله: (معالم) جمع معلم، وهو ما يستدل به على شيء والسابلة الفرقة التي تسلك سبيلاً، وتطلق على الطريق نفسها وليس! بمراد هنا، وقوله وريح هو إشارة إلى ما في التفسير الكبير من أنّ من الناس من يشمّ التراب فيعرف يشمه الطريق، وأنها مسلوكة أو غير مسلوكة، ولذا سميت المسافة مسافة لأنها من السوف بمعنى الشتم فالريح بمعنى الرائحة. قوله: (بالليل في البراري (جمع برّية، وهي معروفة


الصفحة التالية
Icon