لأن الكلام فيهم وهو خلاف الظاهر، وقوله ما شاع فيهم إشارة إلى أنه من إسناد ما للكل إلى البعض كما يقال بنو تميم قتلوا قتيلا لتظاهر الأدلة والنصوص على عصمتهم فلا يقال الأصل الحمل على الحقيقة، وقوله ما يكرهونه إشارة إلى أن ما موصولة عائدها محذوف، وقوله الشركاء في الرياسة فلا يرضى أحدهم أن يشرك في ذلك مع اذعاء التشريك لله، وقوله والاستخفاف بالرسل عليهم الصلاة والسلام فهم يغضبون لو استخف برسول لهم أرسلوه في أمر لغيرهم مع استخفافهم برسل الله المرسلين لهم، وأراذل الأموال معطوف على البنات وهو
إشارة إلى ما مرّ في الأنعام من أنهم كانوا إذا رأوا ما عينوه لله أزكى بدلوه بما لآلهتهم وإذا رأوا ما لآلهتهم أزكى تركوه لها. قوله: (وتصف ألسنتهم الكذب) هذا من بليغ الكلام وبديعه كقولهم عينها تصف السحر أي ساحرة وقذها يصف الهيف أي هيفاء قال أبو العلاء المعري: سرى برق المعرّة بعدوهن فبات برامة يصف الكلالا
وقد بيناه في محل آخر، وقوله مع ذلك أي مع ذلك الجعل، والكذب مفعول لتصف، وعلى القراءة الآتية صفة الألسنة، وأنّ لهم الحسنى بدل منه على الأولى أو بتقدير بأن لهم وعلى الثانية مفعول لتصف، وقوله وهو أنّ لهم الحسنى الخ بيان لحاصل المعنى لا للإعراب وان جاز أيضا، والمراد بالحسنى الجنة بناء على أنّ منهم من يقرّ بالبعث وهذا بالنسبة لهم أو أنه على الفرض والتقدير كما روي أنهم قالوا إن كان محمد صادقا في البعث فلنا الجنة بما نحن عليه، وهو المناسب لقوله لا جرم أنّ لهم النار لدلالته على أنهم حكموا لأنفسهم بالجنة فلا يرد أنهم كيف قالوا هذا وهم منكرون للبعث. قوله: (وقرئ الكذب جمع كذوب صفة للألسنة) وهو بضمتين مرفوع على أنه جمع كذوب كصبر وصبور وهو مقيس، وقيل جمع كاذب نحو شارف وشرف وهو غير مقيس، ولهذا اقتصر المصنف رحمه الله تعالى على الأوّل. قوله:) رذ لكلامهم وإثبات لضده) الرذ بكلمة لا والإئبات بجرم بمعنى كسب أي كسب ما صدر منهم أنّ لهم النار فأنّ لهم الخ في محل نصب على المفعولية وهذا قول الزجاج، وقيل في محل رفع وجرم بمعنى وجب، وثبت وهو قول قطرب، وقيل لا جرم بمعنى حقا وأن لهم النار في محل رفع فاعل حق المحذوف، وتفصيله في المطوّلات وقد مر طرف منه. قوله: (مقدّمون إلى النار الخ (قرأ نافع مفرطون بكسر الراء اسم فاعل من أفرط إذا تجاوز أي متجاوز والحد في معاصي الله وأفعل قاصر، والباقون بفتحها اسم مفعول من أفرطته بمعنى تركته ونسيته على ما حكاه الفراء أي هم منسيون متروكون في النار أو من أفرطته بمعنى قدمته من فرط إلى كذا بمعنى تقدم، وقال معناه مفرطون إلى النار يتعجلون إليها من أفرطته، وفرطته إذا قدمته، ومنه الفرط للمتقدم، وقرأ أبو جعفر مفرّطون بتشديد الراء المكسورة من فزط في كذا إذا قصر وفي رواية عنه بالفتح والتضعيف، وقرئ أن بالكسر فيهما على أنها جواب قسم أغنت عنه لا جرم. قوله:) فأصروا على قبائحها الخ (هو إفا تفسير لما زينه الشيطان لهم أو تفريع
عليه. قوله: (أي في الدنيا وعبر باليوم عن زمانها الخ (أي موالاته لهم في مدة الدنيا ومآربها ولما كان اليوم يستعمل معرّفا لزمان الحاًل كالآن وليس الشيطان وليا للامم الماضية في زمان الحال وجه بان ضمير وهو وليهم إن عاد إلى الأمم الماضية فزمان تزيين الشيطان لهم أعمالهم، وان كان ماضيا صوّر بصورة الحال ليستحضر السامع تلك الصورة العجيبة، ويتعجب منها وسموه حكاية الحال الماضية وليست الحكاية المتعارفة، وهو استعارة من الحضور الخارجي للحضور الذهني أو المراد باليوم مدة الدنيا لأنها كالوقت الحاضر بالنسبة للآخرة، وقد ورد إطلاق اليوم على مدتها كثيراً فهو مجاز متعارف، وليس فيه حكاية لما مضى، وهي شاملة للماضي والآتي وما بينهما، والوليّ على هذين الوجهين بمعنى القرين أو المتولي لإغوائهم، وصرفهم عن الحق أو المراد باليوم يوم القيامة الذي فيه عذابهم لكنه صوره بصورة الحال استحضاراً له فهو حكاية لما سيأتي، وليس من مجاز الأول أي لا ناصر لهم في ذلك اليوم إلا هو لا بمعنى المتولي للإغواء إذ لا إغواء ثمة، ولا بمعنى القرين لأنه في الدرك الأسفل وهو نفي للناصر على أبلغ وجه على حدّ قوله:
وبلدة ليس بها أنيس! إلا اليعافير وإلا العيس


الصفحة التالية
Icon