الحديث رواه البخارفي ومسلم والترمذيّ عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه مع تفسير فيه، وليس في آخره كأنما نشط من عقال، وسيأتي بيانه وما فعله النبيّ رسول الله ﷺ من معجزاته الدالة على علمه بدقائق الطب من غير تعليم. قال: (في طبقات الآطباء المسمى
بالآنباء (مرض ثمامة العبسيّ من خواص المأمون بالإسهال فكان يقوم في اليوم، والليلة مائة مزة، وعجز الأطباء عن علاجه فعالجه يزيد بن يوحنا طبيب المامون، وأعطاه مسهلا فلما تناوله اتفق الأطباء على أنه لا يبقى لغد فقام إلى الزوال خمسين مرّة، ومن الزوال إلى الغروب عثرين مرّة، ثم إلى طلوع الشمس ثلاث مرات، وانقطع إسهاله ونام، وكان لا ينام قبله، ثم أصلح له طعاما فتناوله، وأفاق فسأله المأمون فقال هذا رجل في جوفه كيموس فاسد فلا يدخله غذاء، ولا دواء إلا أفسده ذلك الكيموس فعلمت أنه لا علاج له إلا قلع ذلك الكيموس بالإسهال، وان كان مخاطرة لأنه أيس منه قال: وهذه الحكاية كما روي عن النبيّ رسول الله ﷺ أنه جاء إليه رجل من العرب فقال يا رسول الله إن أخي غلب عليه الجوف وداويناه فلم ينقطع عنه بشيء فقال صلى الله عليه وسلم: " أطعمه عسل النحل فأطعمه للاه فزاد إسهاله لآنه مسهل فراجع النبتي ﷺ فقال: أطعمه العسل فأطعمه فزاد إسهاله فشكى إليه عليه الصلاة والسلام فقال اطعمه العسل فأطعمه في اليوم الثالث فتقاصر إسهاله حتى انقطع بالكلية فأخبر النبني ﷺ بذلك فقال صدق الله وكذب بطن أخيك! وإنما قال ذلك لأته علم أنّ في معدة المريض رطوبات لزجة غليظة قد أزلقت معدته فكلما مرّ به شيء من الأدوية القابضة لم يؤثر فيها والرطوبات باقية على حالها والأطعمة تزلق عنها فيبقى الإسهال فلما تناول العسل جلا تلك الرطوبات، وأحدرها فكثر الإسهال أوّلاً بخروجها، وتوالى ذلك حتى نفدت الرطوبة بأسرها فانقطع إسهاله وبرئ فقوله صدق الله يعني بالعلم الذي عرف نبيه ﷺ به، وقوله كذب بطن أخيك يعني ما كان يظهر من بطنه من الإسهال، وكثرته بطريق العرض!، وليس هو إسهالاً ومرضا حقيقيا فكأنّ بطنه كاذبة في ذلك انتهى ففسر صدق الله في الحديث بما علمه في ذلك وفسره غيره بجعل العسل شفاء ودواء في الآية، وجعل كذب بطنه استعارة مبنية على تشبيهها بالكاذب في كون ما ظهر من إسهالها ليس بأمر حقيقي وإنما هو لما عرض لها، ولذا سمي مثله الأطباء زحيراً كاذبا، وفرقوا بينه، وبين الزحير الصادق بما هو معروف في علم الطب وهو وجه حسن، وغير. ذهب إلى أن قوله كذب بطن أخيك من المشاكلة الضدية كقوله: من طالت لحيته تكوسج عقله، وهي مما حققه المدقق في الكشف وغيره فمن قال إنها ليست بمعروفة وإنه إنما عبر به لأن بطنه كأنه كذب قول الله بلسان حاله لم يصب، وقوله يشتكي بطنه يصح رفعه ونصبه، وقوله فبرأ من البرء، وفي نسخة برئ كفرح، وهي لغة أيضا. قوله: (فكأنما أنشط من عقال) بالبناء للمجهول شبهه بالبعير الذي حل عقاله فأسرع الحركة، والقيام قال في النهاية أنشط حل يقال نشطت العقدة إذا عقدتها وأنشطتها إذا حللتها، وكثيراً ما يجيء كأنما نشط من عقال بغير همزة، وليس بصحيح لما ذكرنا. قوله:) وقيل الضمير للقرآن الخ) مرضه لبعده ولدلالة الحديث، والتفسير المأثور على خلافه وقوله باًجال مختلفة منها ما هو في سن الطفولية ومنها ما هو فيما بعده، وهذا بيان للواقع، وللمراد من النظم بقرينة قوله ومنكم من يرذ إلى أرذل العمر فإنه صريح فيه، ولذا قيل
إن قوله ومنكم الخ معطوف على مقدر أي فمنكم من تعجل وفاته ومنكم الخ ويمكن حمل كلام المصنف رحمه الله تعالى عليه والخطاب إن كان للموجودين وقت النزول فالتعبير بالماضي، والمستقبل فيه ظاهر، وان كان عاما فالمضي بالنسبة إلى وقت وجودهم والاستقبال بالنسبة للخلق. قوله: (يعني الهرم الذي يشابه الطفولية الخ) وصفه بكونه مشابها لحال صغره، وبدء أمره ليتضح معنى قوله يرد فإنه لم يكن قبل ذلك حتى يتصور الرد أما إذا لوحظ نقص القوي تصوّر ذلك لأنه يرذ. لما يشبه حاله الأولى كأنه ردّ إليها، وهذا كقوله: ﴿نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾ [سورة يس، الآية: ٦٨] ففيه مجاز، وعلى هذا أرذل العمر الهرم مطلقا، وعلى ما يعده مقيد بذلك السن، وهو مرويّ عن السلف وإنما مرضه لأنه يختلف باختلاف الأمزجة فرب معمر لم يهرم، ورب هرم لم يبلغ ذلك السن فهو مبنيّ على الأغلب


الصفحة التالية
Icon