وان استعمل بمعنى المرزوق كرعي بمعنى مرعى وكان اسم مصدر ففي علمه عمل المصدر خلاف فقد منعه البصريون، وأجازه غيرهم فالنصب على مذهب أهل الكوفة والثالث أنه بدل من رزقا أي لا يملك لهم شيئا وأورد عليه أنه غير مفيد إذ من المعلوم أنّ الرزق من الأشياء، والبدل يأتي لأحد شيئين البيان أو التأكيد وليسا بموجودين هنا، وفي الكشاف ما يدفعه، وهو أن تنوين شيئا للتقليل، والتحقير فإن كان تنوين رزقا كذلك فهو مؤكد، والا فمبين وحينئذ فيصح فيه أن يكون بدل بعض أو كل ولا إشكال، وقوله دهالا أي وإن لم يكن مصدراً بل اسماً بمعنى المرزوق، وقوله تعالى: ﴿مِّنَ السَّمَاوَاتِ﴾ جؤزوا فيه
تعلقه بيملك ورزقا على المصدرية، وأن يكون صفة لرزقا. قوله:) ولا يستطيعون أن يتملكوه الخ (جؤزوا في جملة لا يستطيعون وجهين العطف على صلة ما والاستئناف، واستطاع متعذ فمفعوله محذوف أشار المصنف رحمه الله تعالى إليه بقوله أن يتملكوه أو هو اشارة إلى أن مفعوله ضمير محذوف راجع لملك الرزق وعلى هذا لا يكون نفي الاستطاعة بعد نفي ملك الرزق لغوا غير محتاج إليه فإن عاد الضمير المحذوف إلى الرزق نفسه كما في الكشاف يكون نفي الاستطاعة تأكيدا لنفي الملك أو يراد أنهم لا يملكون الرزق ولا يمكنهم أن يملكوه ولا يتأتى لهم ذلك ولا يستقيم فهو تأسيس وهو الأولى لئلا يرد عليه ما قيل إن التأكيد يمنع من دخول العاطف لما بين المؤكد، والمؤكد من كمال الاتصال كما قزر في المعاني، وان كان مدفوعاً بأنه غير مسلم عند النحاة، وليس مطلقا عند أهل المعاني ألا ترى قوله تعالى: ﴿كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ﴾ [سورة النبأ، الآيتان: ٤- ٥] وقوله: ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ﴾ [سورة البقرة، الآية: ١٤٩ وأمّا ما قيل إنه في غير التأكيد المصطلح فهو ممنوع وأنه يجوز أن يحمل الأوّل على الحال، والثاني على الاستقبال فليس بشيء للتصريح بخلافه فهو منع للنقل ونقل لمحل النزاع فتدبر. قوله:) أو لا استطاعة لهم أصلاَ) دفع لتوهم التكرار بوجه آخر، وهو أنه منزل منزلة اللازم لا تقدير فيه، والمعنى نفي الاستطاعة عنهم مطلقاً على حذ يعطي ويمنع فالمعنى أنهم أموات لا قدرة لهم أصلا فيكون تذييلاً للكلام السابق.
قوله: (وجمع الضمير فيه وتوحيده في لا يملك (، والعود على المعنى بعد الحمل على اللفظ فصيح وارد في أفصح الكلام وان أنكره بعضهم لما يلزمه من الإجمال بعد البيان المخالف للبلاغة، وهو مردود كما فصل في غير هذا المحل، وقوله ويجوز أن يعود ضمير يستطيعون الخ هذا جواب آخر وعليه فجملة لا يستطيعون جملة معترضة لتأكيد نفي الملك عن الآلهة والمفعول محذوف كما أشار إليه بقوله شيئا وهذا وان كان خلاف الظاهر كما يشعر به التعبير بالجواز لكنه سالم عن مخالفة المشهور في العود على المعنى بعد مراعاة اللفظ فلا يرد عليه شيء. قوله: (فلا تجعلوا له مثلأ تشركونه به الخ (المثل في عبارته بوزن العلم الشبه، وليس واحد الأمثال الواقع في النظم بل بيان لحاصل المعنى فهو كما في الكشاف تمثيل للإشراك بالئه قال المدقق في الكشف أي إنّ الله تعالى جعل المشرك به الذي يشبهه بخلقه بمنزلة ضارب المثل فإن المشبه المخذول يشبه صفة بصفة وذاتاً بذات كما أن ضارب المثل كذلك فكأنه قيل ولا تشركوا وعدل عنه لما ذكر دلالة على التعميم في النهي عن التشبيه وصفاً وذاتا وفي لفظ الأمثال لمن لا مثال له نعي عظيم على سوء فعلهم وفيه إدماج لأن الأسماء توقيفية، وهذا هو الظاهر لدلالة الفاء، وعدم ذكر المثل منهم سابقا اهـ، ويجوز عندي أن يريد
أن تضربوا بمعنى تجعلوا لأن الضرب للمثل فيه معنى الجعل كما صرح به المصنف رحمه الله تعالى في سورة البقرة فيكون كقوله: ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً﴾ [سورة البقرة، الآية: ٢٢] على أن الأمثال جمع مثل فيكون وجهاً غير المذكور في الكشاف، وبه يظهر مغايرة ما بعده وعطفه بأو وهذا مع ظهوره لم يعرج عليه أحد من أرباب الحواشي، ولبعض الشراح هنا كلام مختل تركناه خوف الإطالة. قوله: (أو تقيسونه عليه الخ) هذا معطوف على تشركون به فهو صفة مثلا أيضاً، وضمير عليه للمثل لا لله والفرق بينه وبين ما قبله على الوجه الثاني ظاهر لفظاً ومعنى، وأمّا على الأوّل فمعنى ضرب المثل فيما قبله الإشراك بالله على أنه استعارة تمثيلية كما حقق في شروح الكشاف، ومعناه على هذا النهي عن قياس الله على غيره فضرب المثل استعارة للقياس فإن القياس إلحاق شيء بشيء، وهو عند التحقيق تشبيه مركب بمركب فأو على ظاهرها، وليست للتنويع كما توهم، وقوله فإن ضرب المثل تشبيه حال بحال تعليل لهذا فقط على


الصفحة التالية
Icon