الكمال المستدعية لما ذكر وأزيد حيث جعله هاديا مهديا، وتحقيق ما ذكر في ضرب المثل بوجهيه يعلم بالقياس على المثل السابق. قوله: (يختص به
علمه لا يعلمه غيره (الضمير الأوّل إن كان لله، والثاني للغيب أي يختص بالله علم الغيب فالباء داخلة على المقصور عليه، وقوله لا يعلمه غيره مستفاد من تقديم الخبر لا من اللام ولو عكس حال الضمير كانت داخلة على المقصور والاختصاص بمعنى التمييز أو على القلب كما مز تفصيله وأشار بقوله علمه إلى تقدير المضاف أو هو بيان لحاصل المعنى. قوله:) بأن لم يكن محسوساً ولم يدل عليه محسوس) بتعريفه للغيب بما ذكر خرج ما أثبته أهل الهيئة من أحكام النجوم فإنّ حركات النجوم المرصودة المحسوسة دالة عليه وقوله غائب عن أهل السماوات قيل إنه إشارة إلى تقدير مضاف، ولا حاجة إليه. قوله: (وما أمر قيام الساعة) فيه إشارة إلى تقدير مضاف، والسرعة والسهولة عليه تعالى مأخوذة من تشبيهه بلمح البصر، والطرف مصدر في الأصل ويطلق على الجفن الأعلى وهو المراد هنا، وقوله أو أمرها بيان لأنّ ضمير هو راجع لأمر الساعة، وضمير منه للمح البصر، وهو بيان لأنّ متعلق أقرب محذوف للعلم به، وتلك الحركة أي حركة الطرف، وقوله كان في آن أي أيّ جزء من الزمان غير منقسم، وهذا مما تغ في استعماله الحكماء والمولدين والمذكور في كتب اللغة، والنحو أنّ الآن هو الزمان الذي تقع فيه الحركة، والسكون قولاً وفعلا، وقد وقع آن في أوّل أحواله بالألف واللام معرفة، وأنه ليس له نكرة، ولا يقال آن منكراً ولذا بني، وفيه كلام طويل في شرح أدب الكاتب. قوله:) وأو للتخيير الخ (هذا بناء على ما ذهب إليه ابن مالك من أنّ التخيير مدلول أو وأنه غير مختص بالوقوع بعد الطلب بل يقع في الخبر ويكثر في التشبيه حتى خصه بعضهم به في الخبر كقوله: ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [سورة البقرة، الآيات: ١٧- ١٩] وفي شرح الهادي اعلم أنّ التخيير والإباحة مختصان بالأمر إذ لا معنى لهما في الخبر كما أن الشك والإيهام مختصان بالخبر وقد جاءت الإباحة في غير الأمر كقوله: ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً﴾ إلى قوله ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء﴾ [سورة البقرة، الآية: ٧٤] أي بأقي هذين شبهت فأنت مصيب وكذا إن شبهت بهما جميعاً ومثله في الشعر كثير فما قيل إن التخيير إنما يكون في المحظور كخذ من مالي دينارا أو درهما أو في التكليفات كالكفارات غير وارد، وكذا ما توهم أن المراد تخيير المخاطب بعد فرض! الطلب، والسؤال فلا حاجة إلى البناء على ما ذكر، وأنه مشكل من جهة أخرى، وهو أن أحد الأمرين من كون قدره قدر لمح البصر أو أقرب غير مطابق للواقع فكيف يخير الله بين ما لا يطابقه، وهذا كله من ضيق العطن فإن كون أحدهما بل كليهما غير واقع لا ضير فيه فإنه مشبه به، ولم يقل أحد بأن عدم الوقوع فيه لازم بل قد يستحسن فيه عدم الوقوع كما في قوله:
إعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد
والبعرة تدلّ على البعير، وقد مر تحقيق هذا في قوله ﴿كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾. قوله:
(أو بمعنى بل) هذا مرويّ عن الفراء، وقد ردّه أبو حيان رحمه الله تعالى بأنّ الإضراب بقسميه لا يصح هنا أما الإبطاليّ فلأن إبطال ما قبله من الإسناد يؤول إلى أنه إسناد غير مطابق، ولا يصح، وأما الانتقالي فيلزمه التنافي بين الأخبار بكونه مثل لمح البصر، وكونه أقرب منه فلا يمكن صدقهما معا، وأجيب باختيار الثاني، ولا تنافي بين تشبيهه في سرعة تحققه وسهولته بما هو غاية ما يتعارفه الناس في بابه، وبين كون تحققه في الواقع فيما هو أقرب منه، وهذا بنا على أن الغرض من التشبيه بيان تحققه، وسرعته لا بيان مقدار زمان وقوعه، وتحديده فلا يرد عليه أنّ المعنى على تشبيه أمر قيام الساعة في قدر زمانه لا في حال آخر من أحواله فالمنافاة بحالها، وأجيب بما يصححه بشقيه وهو أنه ورد على عادة الناس بمعنى أن أمرها إذا سألتم عنه أن يقال فيه هو كلمح البصر، ثم يضرب عنه إلى ما هو أقرب كما قرره في الكشاف، وبينه المصنف رحمه الله تعالى بقوله الذي يقولون فيه الخ وفي قوله أيضاً مبالغة ما يشير إلى دفع السؤال رأساً فلا محذور، وقال الزجاج أو للإبهام يعني أنه يستبهم على من يشاهد سرعتها هل هي كلمح البصر أو أقل إنه لا فائدة في الإبهام هنا فتدبر، واستقرابه عده قريباً، وهو بعيد عند الناس. قوله: (فيقدر أن يحيي الخلانق الخ) أي لبعثهم إذا قامت الساعة، وذكر أمر قيام الساعة بعد غيب السماوات كذكر جبريل عليه الصلاة والسلام بعد الملائكة، وقوله إن الله على كل شيء قدير تعليل له، وعقبه


الصفحة التالية
Icon