بالقرب تحققه في علمه وتقديره ولذا عبر عنه بصيغة الافتعال الماضية من القرب، وأتى بعند الدالة عليه وضعا فما قيل عليه لا عند الله إذ لا نسبة للكائنات إليه بالقرب والبعد غفلة، أو تغافل عن المراد إذ ليس المراد بالعندية الدنوّ والاقتراب المعروف، بل ما ذكرناه ومن لم يفهم ذلك من أهل العصر قال المراد قرب الحساب للناس فإنه المناسب للمقام وتخويف الناس. وأمّا ما قيل في ردّه بأنه منتقض بقوله: ﴿وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ وأمناً له وأنه لا يلزم من انتفاء نسبتها إليه بالبعد والقرب لأنه لا يجري عليه زمان أن لا يكون كله حاضراً عنده، وهو المراد بالقرب فلا محصل له وكأنه يريد ما ذكرناه فتأمّل. قوله: (أو لأن كل ما هو آت قريب (هذا أيضاً محصله أنّ المتحقق الوقوع بمنزلة المترقب القريب، لكنه بقطع النظر عن الله والنظر إلى ما في نفس الأمر وعند الناس ولذا قيل:
فلا زال ما تهواه أقرب من غد ولا زال ما تخشاه أبعد من أمس...
وانقرض معناه انقطع والمراد به هنا وقع ومضى. ومن الغريب هنا ما قيل إنّ في إسناد الاقتراب المبنيّ على التوجه نحوهم إلى الحساب مع إمكان العكس، بأن يعتبر التوجه من
جهتهم نحوه تفخيما وتهويلاً له لتصويره بصورة مقبل عليهم لا يزال يطلبهم فيصيبهم لا محالة، ومعنى اقترابه دنوّه منهم فإنه في كل ساعة أقرب مما قبلها، وأمّا الاعتذار بما ذكر المصنف رحمه الله فلا تعلق له بما نحن فيه من الاقتراب المستفاد من صيغة الماضي ولا حاجة إليه في تحقيق أصل معناه، نعم قد يفهم منه عرفا كونه قريباً في نفسه أيضاً فيصار إلى التوجيه بالوجه الأوّل دون الأخيرين أمّا الثاني فلا سبيل إلى اعتباره هنا لأنّ قربه بالنسبة إليه تعالى لا يتصوّر فيه التجدد والتفاوت حتما وإنما اعتباره في قوله تعالى: ﴿لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ [سورة الورى، الآية: ٧ ا] ونحوه مما لا دلالة له فيه على الحدوث وأمّا الثالث فلا دلالة فيه على القرب حقيقة ولو بالنسبة إلى شيء آخر فليت شعري هل أتى بشيء زائد على ما ذكره الشيخان وهل هو الأبسط لأحد الوجوه مع زيادة نكتة في الإسناد وأمّا ما ذكره من التجدد فعلى طرف التمام. قوله: (واللام صلة لاقترب الخ (أي الظرف لغو متعلق بهذا الفعل لذكر المقترب منه بخلافه على الثاني. قال: في الكشف لا تخلو اللام من أن تكون صلة لاقترب على معنى اقترب من الناس لأن معنى الاختصاص وابتداء الغاية كلاهما مستقيم ويحصل به الغرض. وأمّا إذا جعلت تأكيداً للإضافة فالأصل اقترب حساب الناس، لأنّ المقترب منه معلوم واللام مؤكدة للاختصاص الإضافي، فاللام على الأوّل لتعدية القرب المتعدّي في الأكثر بمن وجعل من فيه للابتداء لأنه أشهر معانيها، ولم يجعلها بمعنى إلى كما في الجني الداني وغيره لأنه لا حاجة إليه وإذا كانت لتأكيد إضافة الحساب إليهم كما في قولهم لا أبا لك فالظرف مستقرّ كما في الكشاف والظاهر أنّ المراد منه معناه المشهور أي اقترب حساب كائن للناس. فالجار والمجرور حال مؤكدة وما قيل من أنه على هذا الوجه لغو أيضا، لكنه سماه مستقرّا باعتبار أنه ظرف متعلق بالعامل، فهو من الخاص الذي أريد به العام واستعمل في موضعه مجازاً، وقد أطلق الزمخشري المستقرّ على المعمول وإن لم يكن ظرفا حيث قال في قوله: ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ أنّ قواما مستقر فإطلاقه على هذا غير بعيد منه فتكلف بعيد لا أدري ما دعاهم لارتكابه، وجعل اللام مؤكدة للإضافة وإن كان المعروف أن الثاني تكرير فهو المؤكد لأنّ كل واحد من اللام والإضافة مغن عن الآخر، فإذا جمع بينهما صح أن يقال في كل منهما أنه مؤكد للآخر مع أنه في نية التأخير فهو ثان تقديرا فاندفع ما قيل إنّ التأكيد يكون متأخراً عن المؤكد. وقيل إنه يجوز أن يكون التقدير اقترب لمجازاة الناس حسابهم على أن للناس مفعولاً له. وبقي هنا كلمات طويلة بلا طائل وقد اكتفينا من القلادة بما أحاط بالعنق. قوله: (واصله اقترب حساب الناس) يعني أنه كان حق التعبير عنه بطريق المساواة لهذا على ما عليه مدار تراكيب أوساط الناس ثم قدر أنه عدل عنه لما هو أبلغ منه وهو اقترب للناس الحساب لما فيه من الإجمال والتفصيل والإبهام والتفسير إذ ذكر الحساب ثم بين لمن هو وقدم بيانه للاهتمام به أو ذكر