فأبدلت الهمزة الثانية ألفا قال المعرب كذا توهم بعضهم وهو غلط قال ابن عطية تبعا لابن جني ولو كان آتينا بمعنى أعطينا لما تعدّى بحرف جرّ انتهى. والمصنف رحمه الله لما رأى هذا جعلها مجازا عن المجازاة وهي تتعدى بالباء تقول جازيته بكذا فلذا قال إنه قريب من الإعطاء أي يشبهه فمن غفل عنه فسره بالإعطاء. ورد قوله: قريب منه وكذا من قال إنّ الباء للسببية أو للمقابلة والمفعول محذوف أي آتيناها بها. قوله: (أو من المؤاتاة الخ (بالهمزة يعني أنه مفاعلة من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء، فهو مجاز والباء للتعدية أيضا فقوله: فإنهم الخ تصحيح لمعنى المفاعلة وبيان لأنها مجاز إذ حقيقته تقتضي اتحاد الطرفين في المأتيئ به وهو قريب من عالج الطبيب المريض كما مرّ تحقيقه في قوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللهَ﴾ فمن قال إنه لا يصح إلا أن يراد بيان محصل المعنى لا تعيين المفعول لم يصب. ومعنى إتيان الله بأعمالهم مجارّاتهم. قوله: (وجئنا (أي قرئ جئنا. وقوله: والضمير أي ضمير أتينا بها للمثقال لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه وهذا مشكل على قراءة النصب وجعل الضمير الذي هو اسم كان للظلم فإنه الظلم المنفي فلا يصح معنى أن يجعل مأتيا به، وقد مرّ توجيهه بأنه الظلم الصادر من العباد لأنفسهم أو لغيرهم ولا يخفى بعده ولذا قيل إنه مخصوص بإرجاعه للعمل فتأمّل. وقوله: حاسبين تمييز أو حال والإصابة في الحساب تقتضي العلم والعدل. قوله: (أي الكتاب الجامع الخ) يعني انّ المتعاطفات متحدة بالذات متغايرة بتغاير ما تضمنته من الصفات وقد يعد مثل هذا العطف تجريدا نحو مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة ولا بعد فيه. وقوله: يستضاء الخ أي يهتدى به فهو استعارة تصريحية متضمنة
لتشبيه الحيرة والجهل بالظلمة وقوله: يتعظ الخ إشارة إلى أن الذكر إمّا بمعنى التذكير والعظة أو بمعناه المعروف، ومنهم من فسر الذكر بالشرف كما مر وتخصيصه بالمتقين لأنهم المنتفعون به كما في الوجهين الآخرين. واطلاق الفرقان على النصر لفرقه بين الوليّ والعدوّ والضياء حينئذ أمّا الشريعة أو التوراة أو اليد البيضاء والذكر التذكير أو الوحي وتفسيره بفلق البحر ظاهر لأنّ الفرق والفلق أخوان، والعطف واقع بين المتغايرات بالذات على هذا وعدم العطف يؤيد التفسير الأوّل وقوله صفة للمتقين ويجوز كونه بدلاً. قوله: (حال من الفاعل أو المفعول (أي غائبين عن أعين الناس بقلوبهم أو غائباً عنهم بمعنى غير مرئي في الدنيا وقد مرّ تفصيله في البقرة وقوله: خائفون فسره به لتعديه بمن كما مر تحقيقه، والمبالغة من الجملة الاسمية والتعريض إفا بعدم خوف غيرهم بناء على أنّ مثل هذا التقديم يفيد الحصر، وفيه كلام في المعاني ويجوز أن يكون تقديم من الساعة للتعريض بعدم خوف عذابهم والظاهر أنّ المراد الأوّل وقوله يعني القرآن بقرينة الحال والإشارة بهذا لقرب زمانه أو سهولة تناوله. قوله: (استفهام توبيخ (لأنهم لا ينبغي لهم إنكاره لأنهم أهل لسان عارفون بمزايا إعجازه، وتقديم له للفاصلة أو للحصر لأنهم معترفون بغيره مما في أيدي أهل الكتاب وقوله واضافته الخ لأنه رشد مخصوص به وهو عليه الصلاة والسلام نبيّ عظيم فما يختص به من الرشد لذلك خصوصاً وقد أسند الإيتاء إليه بضمير العظمة. وكونه من قبل موسى وهرون أو محمد عليهم الصلاة والسلام بقرينة ما قبله ولذا مرض! الوجه الأخير وأخر. لعدم ما يدلّ عليه لولا معرفة حاله ووروده. قوله: (علمنا أنه أهل لما آتيناه الخ (والأهلية من جملة ما أعطيناه أيضاً. وقوله أو جامع لمحاسن الأوصاف يعني متعلق العلم إمّا أهليته أو ما فيه من الكمالات الوهبية التي أعطاها له تفضلا منه لقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ﴾ [صورة الأنبياء، الآية: ٥١] على ما فسره به. فسقط ما قيل من أنّ الحوادث تستند إلى الموجب القديم العالم بالذات بواسطة حصول الشرائط والاستعداد على زعم الفلاسفة وقوله: وقرئ رشده أي بفتجتين وعلى كل يفيد أنا إنما آتيناه ما ذكر لما فيه من المزية التي علمناها فلولا علمنا لم نؤته فيدل على كونه باختبار منه وعلى علمه بأحواله الجزئة فثبت ما ذكر إذ لا قائل بالفرق. وكون علمه بالجزئيات على وجه كلي كما قاله
الفلاسفة خلاف الظاهر، وأما كون أفعاله مبنية على الحكمة فغنيّ عن البيان.


الصفحة التالية
Icon